lilhayat.com
|
Blog
Facebook|
Youtube رؤى والإجهاض أخبرني أنه كان له حلماً....حلمَ أن يكبر ويكبر حتى يستطيع أن يرى النور... لكنه عاد ليتمتم... كان عندي نورٌ...كان النور حيّــاً في داخلي...كنت أنا حيّـــاً...ولست شيئاً يُرمى للقمامة. كنت أحسّ بالدفء...فلِمَ اختاروا لي برد الموت بدل دفء الحضن؟!... كنت أنا موجوداً...ولا أزال موجوداً... لكنهم لم يختاروا لي أن أكون بينهم موجوداً... لو عشت، لكان اليوم موعد ميلادي...لاحتفلت به كل عام...لحاولت زرع البسمة على شفتها...نعم، على شفة أمي. لا أزال أناديها أمي...بكامل وعيي وإصراري ما زالت هي أمي..أُمّاً لم أخترْها...لكنها اختارت لي ألاّ أُكمل معها درب الحياة...أُمّاً لم أُردْ أن أُفارق رحمها...لكنها أصرّت...وتركتني أرحل عنها... نعم...لقد رحلتُ وحيداً...لا أعرف أخاً لي أو أخت...ليس لي صديق أو طبيب...لكن كان لي حبيب. نعم...رحلتُ وحيداً لكني شاكرٌ أني معه رحلتُ إلى النور وليس إلى الظلمة.... أسمع أن هناك أحدٌ يُدعى أباً أيضاً...تُرى أين كان؟...هل أرادني؟..أم فرح بمغادرتي؟...هل حزن؟..هل بكى؟...هل صرخ؟...ماذا فعل، لست أدري... أعرف أني سمعتها هي تبكي وتتألّم...ولم أعرف: أعليّ أم على نفسها.... أذكر أن قلبي كان قريباً من قلبها، فعرفتُ أنها دافئة مُحبّة...قلبها كبير...مُسامِحة....مؤمنة.. حنونة. كل هذا لديها...لكن لماذا لم يكن لديها شيء لي؟...لقد أعطتني من جسمها..من لحمها ودمها ما اكتسيتُ به شهوراً. وفي لحظة توقّف كل شيء! تُرى هل أخذتُ كل ذاك رغماً عنها؟...هل كنت سارقاً؟..لِمَ لم يحقّ لي أن أتدلّل في رحمها، فآخذ كل ما احتاج وأكبر؟ لِمَ لم تسمح لي بفرصة أن أسمع صوتها يناديني: تعال إلى النور يا حبيبي...حان وقتك كي أراك...اشتقت أن أراك...حلمت بعيونك...بفرحة مناغاتك...بصوت بكائك...بلهفتك عليّ...بيدك الصغيرة...بأصابع قدميك الناعمة... لم أعرف معنى كل هذا...عرفت فقط أنهم تجمّعوا في الغرفة وقرّروا عني...قرّروا أن تنتهي حياتي.. وكأنه ليس لي حقّ أن أُسألَ...صوّتوا على موتي ولم يكن لي حقّ الانتخاب!..... سؤالي الذي يعذّبني: هل كنت بالنسبة لهم موجوداً...أم كنت مجرّد شيء أرادوا رميه في القمامة؟.... رأيهم يحزنني...ولكن ربما لا يؤذيني. أمّا رأيهما فهو المهم. هل تستطيعين أن تسأليهما..أبي وأمي...هل كنت موجوداً؟...هل عرفوا أني حقاً موجوداً؟...هل أحسّوا أني حيّ؟...لِمَ تركوني للموت قبل الولادة؟.. وكيف قسوا...ولِمَ؟... أحببتُه...آه يا صغيري...لا بد أنك أصغر من صغيري...ماذا أناديك: جنين... بذرة حُبّ... زرع أمل ...بسمة عمر...لهفة طفل...لمحة حُبّ...بريق شمس...ضوء قمر؟.. لست أدري أي اسم اختار... سأناديك رؤى..كل ما رأيت وسمعت وعاينت كان رؤىً لم ترَها بعينيك، بل بقلبك...لم تسمعْها بأذنيك، بل في قلبك...لم تركضْ إليها، هي جاءتك...لم ترذلْها، بل عشتَها وقبلتَ ألمها رغم أنك لم تختَرْ... آه يا رؤى.. أين أذهب؟.. كل يوم ينضمّ إليك المئات..وتكثر الرؤى..كل يوم تصرخ أمّهات وتقتل الرؤى.. أين أسافر؟..أين هم؟.. من تريدني أن أسأل؟.. في أي مكان يعيشون وأي زمان؟.. لأنه قد كثرت الأعذار...والكثيرون يبحثون عن الأعذار...وللأسف، فالأعذار موجودة وكثيرة... سأسألها هي..من ناديتَها أُمّاً...لِمَ فعلتِ به هذا؟... أجابتني بالدموع: لأني تناولت أدوية كثيرة..ولا بدّ أنه كان سيولد مشوّهاً. قلت لها: وكيف عرفتِ؟... الطبيب قال ذلك... أجبت: وإن كان سيولد مشوّهاً، وهل هذا ذنبه؟... قالت لا... أردت حمايته من الناس والحياة والمجتمع...ماذا سيكون مصيره؟...من سيعتني به؟...سوف يتألّم كثيراً. الأفضل له أن يرحل الآن...هذا كان قراري. قلت لها: وقراره هو...هل فكّرتِ ماذا يريد؟... أجابت: هو لا يعرف شيئاً...كيف سأسأله؟... أجبتها: لا..إنه يعرف الكثير...يعرف عنك ما لا يعرفه أي إنسان آخر..لأنه أخذ منك دماً ولحماً وحُبّـــاً وحناناً لشهور...ألمه عظيم الآن...بحر حنانك تحوّل إلى نقطة سوداء قادته للموت... أجابت: لا....قادته للحياة الأبدية. فهو سيكون ملاكاً في السماء. أي ذنبٍ فعل؟...لا بدّ أنه ملاك... أفضل له من أن يعيش في هذا العالم، فربما يخسر السماء... بكيت من أجلها...تؤمنين بالسماء والحياة...تؤمنين بالحُبّ والفداء..واخترتِ له ألاّ يعيش الآن ليرى النور...ويتعرّف على النور...ويكبر في النور؟!... قالت: لديه الآن كل شيء وكل النور...فليعشْ فيه...ويسامحني...
عدتُ إليه...رجوته أن يسامحها...أجاب: لقد سامحتها منذ زمن بعيد. أنا حزنت، ولكنني لم أغضب عليها أبداً. أتمنى أن تسامح هي نفسها. والنور الذي أخبرتك عنه أرجوه لها...نور الحب الذي يخلق ويجبر ويداوي. لكن حدّثيني عن أبي... أجبته: لا يريد الحديث...صمت عن الكلام...لم يعرف بماذا يجيب...ثم قال ’هذه هي الحياة...الرب يريدنا أن نحيا...يريد لنا أطفالاً أصحّاء...ماذا كنّا سنفعل؟...كيف كنّا سنُكمل معه؟...لقد كان ذلك أفضل له ولنا‘... قال رؤى: ربما كان أفضل...لست أدري الآن...حزني ربما يكبر..ليس عليهم..بل على الذين يقرّرون كل يوم عنّــا... نحن فرحون..ولكن حزنهم كبير... لا بدّ أن حزنهم كبير...
ثم أردف: لي طلب أخير.. اذهبي إلى الشباب...اسمعيهم ماذا يقولون وماذا
يفكّرون في شأننا...واخبريهم إن استطعتِ أننا نريد أن نحيا..رغم كل
الصعوبات. قولي لتلك الفتاة التي تريد أن تكمل دراستها وترسم مستقبلها ولا تريد أن تغيّر خطط حياتها من أجل واحد مثلي...يا ليتها أشركتني بخططها..بمستقبلها... ربما في البداية تراجعت خططها...لكنها ستراني فيما بعد بقربها..سأقف بجانبها..وسأسندها لتحقّق أحلامها وأحلامي... فأحلامها ستكون أيضاً جزءً من أحلامي، لأنها أُمّي. تمنّيت أن أكون أنا حلماً لديها..أو مجرّد مشروع يستحقّ أن تهبني وقتها.... وأيضاً تلك التي تجلس هناك متألّمة وتقول...’لم أخترْهُ، بل فُرض عليّ...كان ثمرة ألم واعتداء.. لِمَ لا أكرهه ...فأنا أكره من زرعه في داخلي رغماً عنّي‘... أخبريها أن الرب هو الزارع الحقيقي..لو فكّرت بي وأحبّتني...لو استطاعت أن تسامح...لو انتصرت على ألمها وغضبها وأعطتني فرصة لأن أمسح دموعها يوماً وأشدّ على يدها وأحضن ألمها...لكنت الآن حياً.... أما هذا الشاب الذي يقول..’ما زلنا صغاراً أنا وهي...كيف سنعتني بطفل؟...لا نعرف كيف.. الآن نريد أن نعيش وألاّ نتقيّد به‘... أخبريه لو طلب المساعدة من أُم..من أب..من جار..من عائلة تتمنى أن تُرزق بطفل وليس لديها...ربما أعانوه عليّ...ربما مدّوا له يد المساعدة والنصح..وعلّموه كيف يعتني بي..وأنا كنت سأكبر. لو استطاع أن يعطيني فرصة فقط لأكبر، لما كنت قيداً...بل ربما سبباً لفرح أسرتين.... وقولي لتلك الأم التي عندها أطفال كفاية...هي تظن أن ما عندها كفاية ولا تريد المزيد..وأن ليس عندها حتى تُطعمهم وتكسيهم... قولي لها..’ثوب قديم كان يكفيني...قطعة خبز تشبعني. ما أردته هو فقط الحُبّ.. الحُب أولاً..والرب كان سيرسل لهم رزقتي معي‘... لو آمنوا...لو سألوا...لأُعطوا. أعرف أنهم كانوا سيُعطَون أكثر وأكثر لو كانت لديهم الرغبة في أن يحتفظوا بي لمحبّتهم لي... آه يا رؤى...هل تسمع ما سمعته أنا؟...الكل لديهم أعذار... وربما أنا واحدة منهم... نبحث عن الأعذار، ونحاول أن نُقنع أنفسنا بها..فيصبح العذر حقيقة... وتضيع الحقيقة..وهي أنك كشاة تُساق إلى الذبح...كل يوم...مرّات ومرّات...في أماكن كثيرة...وتحت أنظار كثيرة.... إقبل دموعنا يا إلهي...لأنك وحدك من يعرف الحقيقة...وحدك عندك الرحمة... رؤى وأنا لا نريد أن ندين أو أن نغضب...بل سنترك حزننا عند قدميك. سأترك رؤى..وهم كثر..ربما ملايين..في حضن محبّتك. هم لديهم الآن حلمهم الجميل فيك... اغفرْ لنا قسوتنا...اغفر لنا لأنك رحيم تعرف كيف أننا نُغلب بسهولة..وأنت وحدك من غلبتَ العالم. علّمنا أن نقبل إرادتك في مستقبلنا..وخططنا..وأطفالنا..وحياتنا. وارحم أيضاً كل عائلة..وكل أُم..اتّخذت هذا القرار يوماً..وتركتْ رؤى لا يرى نور الميلاد في هذا العالم...ولكنه يعرف نور الميلاد فيك... ارحم كل أسرة تتمنى أن تُرزق يوماً بطفل..كُنْ معهم..وعلّمهم إرادتك. آه..أعرف كم هو ألم صبيّة ترى بجوارها من يرمون رؤى..وحلمها الأكبر أن يكون في بطنها واحد منهم. آه يا إلهي..هو ظلم صنعناه نحن..عشناه نحن...ووحدك من تحرّرنا منه..لأنك أنت وحدك الحقّ... والحقّ وحده من يستطيع أن يُحرّرنا.......
مع محبّتي عندليب ضاحي – المبارك
مار شربل للحياة
|