الصفحة الرئيسية| غرفة الأخبار | إبحث | أرشيف الأخبار| الإجهاض | كيف أعيش سرّ التوبة ؟| اليوثانيجيا | الطلاق| تراتيل| العفة|الخلايا الجذعية نقاط التكلّ‍م | الإستنساخ|

البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير : الزواج واحد وغير قابل للانحلال، أسسه الله،
بكركي، 7 تشرين الأول 2007
"طوبى لذلك العبد الذي يأتي سيده فيجده فاعلا هكذا" (متى 24/46)

يتحدّث إنجيل اليوم عن العبد الأمين الحكيم. وقد أظهر أمانته وحكمته بقيامه بما عليه من مسؤولية، وكان سيّده قد أقامه وكيلاً على بني بيته ليعطيهم الطعام في حينه. وعاد سيّده من السفر فوجد أنه يقوم بواجبات وظيفته، فأراد أن يرفع مرتبته، فأقامه وكيلاً على جميع ممتلكاته. وكان وكيلاً على بيت سيده فقط، فإذا به يصبح وكيلاً على كل أملاكه وأعماله.

ولكن إذا أصيب هذا الوكيل بداء العظمة، وحسب أنه أصبح مطلق الصلاحية يتصرّف بأملاك سيده كما يحلو له، وراح يستبدّ برفاقه ويضربهم، ويؤكل السكارى ويشاربهم، كأنه أصبح الآمر الناهي، ولا يد فوق يده، فإذا جاء سيده، فيما لم يكن ينتظر مجيئه، ووجده فاعلاً هكذا، فإنه سرعان ما يفصله عن خدمته، ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكان البكاء وصريف الأسنان.

هذه هي حال كل منا. إنّ الله وكل إلينا جانبًا من أملاكه وشؤونه، فعلينا أن نقوم بما وكل إلينا، ولكن إذا أهملنا، أو تقاعسنا، وتصرفنا تصرّفًا غير لائق أو حكيم تجاه من وضعهم تحت سلطتنا، فهو سيأتي، وإذا وجد أنّا أسأنا التصرّف، فإنه سيفصلنا عن خدمته، وهناك تكون الندامة الكبرى. هذا المثل يصحّ على كل منا. فلنكن حذرين، متيقظين.

وننتقل إلى الكلام عن الزواج وعدم انحلاله في الدين المسيحي. هذه هي إرادة الله فيه. لقد مرّت فترة في العهد القديم سمح فيها موسى والأنبياء بالطلاق، وجاء المسيح، فردّ الشريعة إلى بهائها الأول، فمنع الطلاق إلاّ في حال الخيانة الثابتة. وهذا ما نريد أن نشرحه اليوم.

1. عدم انفصام الأزواج
منذ العهد القديم حتى أيامنا هذه، أثارت مسألتا الطلاق وعدم فسخ الزواج جدلاً كبيرًا. لكن يسوع المسيح ألقى ضؤًا على هذه المسألة التي أبانت الدروس التاريخيّة والتفاسير الكتابية ما فيها من صعوبة. وسهولة الطلاق تظهر ما في تعليم السيد المسيح من تحدّ. وبالنسبة الى الذين أرادوا أن ينصبوا شركًا للسيد المسيح، لم يكن الطلاق سوى فعل صادر من جهة واحدة عن إرادة إنسان لا يريد أن يمارس حقه على امرأته. والمسيح لم يرفض الطلاق القائم على هذه الحجّة وحسب، بل رذل مفهوم الزواج الكامن تحته. فقال المعلّم:في البدء لم يكن هكذا. وكان الرجل والمرأة متساويين من حيث الكرامة: وكان الزواج يولي الرجل حقًا على المرأة، ويولي المرأة حقًا على الرجل. ويظهر الحب البشري هكذا بكل ما فيه من وضوح، كشعاع من الحب الذي لا حدّ له عن الذي يجمع بين أشخاص الثالوث الأقدس. فالمسألة لا تتعلّق اذن بسلطة الرجل المطلقة ومن جهة واحدة على المرأة، ولا على العكس، بسلطة المرأة على الرجل. والإرادة البشريّة لا يمكنها أن تسود القران الذي باركه الله. والطلاق، كما هو اليوم، وكما يشرّعه غالبًا القانون المدني، ليس سوى امتداد لمفهوم الفريسيين الذي يقول بأن للرجل الحق ليس فقط في أن يطلّق امرأته، بل أيضًا للمرّأة أيضًا الحق في أن تطّلق قرينها. وصيغتا الزنى هاتان تأخذان طابعين متوازيين عندما يطلّق الرجل والمرأة أحدهما الآخر، على حدّ سٍواء، "عن رضى متبادل". فالطلاق ليس إذن انتفاء البقاء معا فقط، وهو بقاء أظهره التزام علني واحتفالي، بل هو محاولة محكومة بالفشل منذ البدء، لفصل ما جمعه الله. والمطلوب تحديد معنى لفظة زنى التي لا تعني زنى بحصر المعنى بل علاقة غير جائزة وبين ذوي قربى على ما ورد في الفصل الثامن عشر من كتاب الأحبار.

وهو يقود إلى تخطّي الممارسة اليهودية الشرعية المتأخّرة، التي وصفها كلام يسوع المسيح بالغير كافية. وموقف يسوع المسيح الصارم صار ممكنًا وواقعيًا لأنّ الإنجيل هو الغفران الخلاصي الذي يكشف عن قدرة الله في الزمن. وهذا هو مصدر الموقف الجديد جوهريًّا من المرأة: فهي ليست ملكًا لقرينها، بل رفيقته، متوازية في الكرامة بالنسبة إليه وإلى الله.

2. سؤال الفريسيين

سأل الفريسيون، على ما ورد في إنجيل القديس متى[1]، يسوع ما إذا كان يجوز للإنسان أن يطلّق امرأته لأجل كلّ علّة؟ وقالوا ذلك ليجرّبوه، وليعرفوا على أيّة مدرسة من المدارس اليهودية يوافق: إلى مدرسة السيد شمّاي (الذي كان يقبل بالطلاق فقط في بعض حالات)، أم إلى مدرسة السيد هلال (الذي كان يقبل بالطلاق لأي سبب كان مثلاً لقلّة خبرة المرأة في الطبخ). فأجاب يسوع على الفور، قافزًا فوق مواقف المدرستين وشروحاتهم الطويلة، وعاد إلى قصد الله الأول من الزواج، فأجابهم على الفور: ألم تقرأوا أن الخالق منذ البدء خلقهم ذكرا وأنثى وقال: "من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمّه، ويلتزم امرأته ويكونان كلاهما جسدًا واحدًا، فما هما بعدُ اثنين، بل جسد واحد. وما جمعه الله، لا يفرّقه إنسان"[2].

وفهم الفريسيون أن المسيح تخطّى أفكارهم، وحاولوا مرّة أخيرة أن يقولا له: "لماذا أمر موسى إذن بأن تعطى المرأة كتاب طلاق وتصرف؟"[3]. وصحّح السيد المسيح السؤال بعوده مجدّدًا إلى المشروع الأول، فقال: "إنّ موسى لم يأمر بهذه القاعدة، بل سمح بها فقط" لقساوة قلوبكم، غير أنه في البدء لم يكن هكذا"[4]. وتابع قائلاً: "لهذا أقول لكم: "من طلّق امرأته لغير علّة زنى، وتزوّج أخرى، فقد زنى"[5].

إن الفقرات من إنجيل القديس متى 5/32 التي تقول "ماعدا حالة الزنى، وفي متى 9/19" ليس من أجل حالة الزنى، لم تردا في إنجيلي القديسين مرقس ولوقا. وفي الغالب، ظُنّ أنّ الصيغة البسيطة التي وردت في مرقس ولوقا تمثّل التقليد الأقدم، وإنّ الفقرة في النصين ترجع إلى إنجيل متى. ويبدو غريبًا أنّ متى، في هذه الحالة، امتنع عن التمسّك بالتوراة، وهذه نزعة يميل إليها عادة. ولكن السيد المسيح في إنجيلي مرقس ومتى يتحدّث عن عدم انفصام الزواج بطريقة جازمة واضحة، قائلاً أن هذه هي إرادة الله[6] ويطلب يسوع، بحسب رسالة القديس بولس إلى أهل روما عدم حلّ الزواج[7].

3. العودة إلى الأصل

وهكذا فهو يرفض الممارسة اليهوديّة التي تتكلّم عن الطلاق كأنه حق طبيعي للرجل يمارسه بإرادته ساعة يشاء، بإعطائه فقط زوجته كتاب طلاق، وعلى أساس هذا الكتاب بإمكانها أن تتزوّج ثانية من تشاء. والنص الذي يستند إليه الكتبة من أجل كل نقاش لاحق يقوم على الفقرة الأولى من الفصل الرابع والعشرين من سفر تثنية الاشتراع الذي يقول: "إذا اتخذ رجل امرأة، وصار لها بعلاً، ثمّ لم تحظَ عنده لعيب أنكره عليها، فليَكتب لها كتاب طلاق ويدفعه إلى يدها ويصرفها من بيته"[8]. إنّ مدرسة الحاخام شمّاعي كانت ترى في عبارة "لأي سبب" شيئًا مرفوضًا أدبيًا. أمّا الحاخام هلال فكان يرى في هذه اللفظة سبب خلاف، كأن تكون المرأة قد تسبّبت بإحراق الطعام. ومتى وحده أورد هذه العبارات التي كانت مثار جدل.

وفي عهد الأنبياء كان الرجل باستطاعته أن يغفر لزوجته خيانتها. على ما ورد في هوشع[9]. أما في عهد السيد المسيح، فإن الشريعة أصبحت ملزمة: فالمرأة الخائنة لا يمكنها أن تقيم علاقات لا مع زوجها ولا مع من استدرجها: وكان زوجها ملزما بإطلاقها.

إن مفتاح شرح هذه الآيات هو عودة يسوع المسيح المستمرّة إلى مشروع الله الأساسي الخاص بالزواج، الذي يشدّد على إرادته في إعادة كرامة الزواج الى عهده الأول، وإضفاء جدة انجيل الخلاص عليه: وهو زواج بامرأة واحدة، وزواج واحد وغير قابل للانحلال، أسسه الله، وتقبّله الإنسان كعطيّة تجب المحافظة عليها، واحترامها."وليسا بعد اثنين، بل جسد واحد، وما جمعه الله إذن، فلا يفرّقه الإنسان"[10]. وفي الواقع، إن الزواج كما يراه الكتاب المقدس في العهد القديم ليس مؤسسة فقط بشرية، بل انه تعبير عن قصد الله: انه واقع أراده الله الخالق لصالح الرجل والمرأة، وفي النهاية لصالح البشرية جمعاء. وهذا ما أعلنه السيد المسيح عن الزواج: فأعاد إليه وحدته الأوليّة السابقة.

أيها الإخوة والأبناء العزاء،

الزواج في الأصل ليس مؤسسة بشرية، على الرغم مما طرأ عليه من تغييرات على مرّ الزمن بحسب اختلاف الثقافات والبنى الاجتماعية، والمواقف الروحية. وهذا التنوّع يجب ألا ينسينا ما في الزواج من قواسم مشتركة ودائمة. وعلى الرغم من أن كرامة هذه المؤسسة لا تبدو دائما بالوضوح عينه، غير أن هناك، في كل الثقافات ما يدلّ على عظمة الاتحاد الزواجي. لأن طمأنينة الشخص والمجتمع مرتبطة بازدهار الجماعة الزواجية والعائلية.

وقد رفع السيد المسيح الزواج إلى مقام سرّ يجري بواسطته ما يحتاج إليه الزوجان من معونة الله ومساعدته ليقوما بما عليهما من مسؤوليات أحدهما تجاه الآخر، وكليهما تجاه من يرزقهما الله من بنين.

وقد غابت فكرة السرّ، في ما خصّ الزواج، عن أذهان الكثيرين من المسيحيين، فراحوا يعقدون زواجات ويفسخونها على هواهم، وهذا مفسدة للعائلة والمجتمع.

ولعلّ ما نشكوه في هذه الأيام من تراخ في العقائد قد أصاب المؤسسات البشرية كمؤسسة رئاسة الجمهورية وما سواها من مؤسسات الدولة. والرئاسة مؤسسة تستأهل، لا بل تستوجب الاحترام والتقدير، فإذا نالها قدر من الامتهان، وتساهل المسؤولون عنها في ما يجب لها من حصانة، انعكس ذلك كله على مجمل مؤسسات الوطن، لا بل على الوطن بمجمله، لذلك يجب مواجهة هذا الاستحقاق الرئاسي بالكثير من الوعي والجدّية والاهتمام.

وإنا نصلي لينير الله عقول المسؤولين عن هذا الاستحقاق ليقوموا به بما يرضي ضميرهم ووطنهم والأجيال الطالعة، ويقيهم ما نال سواهم من أقرانهم، وهو مفجع لذويهم وللوطن.


--------------------------------------------------------------------------------

1. متى 19/3-9

2. متى 19/4

3. متى 19/7

4. 19 – 7-8

5. 19- 9

6. مرقس 9/10 ومتى 16/6

7. اكور 7/ 10

8. تثنية الاشتراع 24/1

9. هوشع 3 أو ما يليه

10. متى 19/6

http://www.bkerke.org.lb/publications/publicationdetails.aspx?pubid=85&displang=ar-LB


مار شربل للحياة
Saint Charbel for Life Movement
Back to Home page
E-mail us: info@lilhayat.com