الصفحة الرئيسية| غرفة الأخبار | إبحث | أرشيف الأخبار| الإجهاض | كيف أعيش سرّ التوبة ؟| اليوثانيجيا | الطلاق| تراتيل| العفة|الخلايا الجذعية نقاط التكلّ‍م | الإستنساخ|

خطبة الأحد
اللغة قد أصبحت سلاح قتال، ضد العائلة والحياة

الديمان، 2 أيلول 2007

 

"إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام" (لو 7/50)

يتحدث الإنجيل اليوم عن امرأة خاطئة، جاءت إلى يسوع الذي كان مدعوا إلى تناول الطعام على مائدة أحد الفريسيين. وكان الفريسيون يتبعون مذهبًا دينيًا متشددًا في الحفاظ على شريعة موسى، وسنة الأقدمين، في أمور الطهارة، ومراعاة يوم السبت، وأداء العشر، وما شابه. وكان ينتمي إليهم كثيرون من الكتبة. لكن يسوع اخذ عليهم رياءهم، وكبرياءهم، وتعلقهم بالألفاظ. دون المعاني، وقسوتهم على الشعب. وصادق الصالحين من بينهم لحفظهم الشريعة دونما كبرياء. وكان بولس الرسول من هذه الفئة، التي تضطهد الكنيسة، قبل اهتدائه إلى المسيحية.

وعمدت المرأة الخاطئة إلى قارورة طيب كانت معها، فجلست عند قدمي يسوع، وراحت تغسلهما بدموعها، وتمسحهما بشعرها، وتقبلهما، وتدهنهما بالطيب. لكن الفريسي، مضيف السيد المسيح، قال في نفسه: "لو كان هذا الرجل، أي يسوع، نبيًا، لعلم أنّ هذه المرأة التي تلمسه هي خاطئة". وعلم يسوع بما كان يفكر به مضيفه، فقال له: يا سمعان، إن أحد الناس أقرض رجلاً خمسمائة دينار، ورجلاً آخر خمسين دينارًا. ثم ترك لهما دينهما لعجزهما عن الدفع. وسأله: أيّهما أكثر حبًا للمدين. أجاب الفريسي: الذي ترك له المبلغ الأكبر. فأجابه يسوع: حكمت بالحق. وتابع يقول، بعد أن التفت إلى المرأة، وقابل بين ما فعلت ليسوع لثلاث مرات، وما لم يفعله سمعان، وقال: "أولاً: أنت، يا سمعان، دخلت بيتك، فلم تسكب على قدمي ماء، وأما هي فبلت قدمي بدموعها ومسحتهما بشعرها. ثانيًا: أنت ما قبلتني، وهي لم تكف عن تقبيل قدمي. ثالثًا: أنت ما دهنت رأسي بزيت، وهي دهنت قدمي بالطيب. وأضاف: "لقد غفرت لها خطاياها الكثيرة، لأنها أحبت كثيرًا". وغفر للمرأة خطاياها. إذ ذاك تذمر الجالسون على المائدة، وقالوا في أنفسهم: من هذا حتى يغفر الخطايا؟ وقال للمرأة: "إيمانك خلصك، اذهبي بسلام".

وننتقل إلى الحديث عن العائلة، وما أصابها من تفكك من جراء التحرر المزيف.

1. التلاعب باللغة

في ما يدور من جدل حول احترام الحياة، وحول العائلة، والزواج، إنّ قضية اللغة يجب النظر إليها عن كثب. هناك عقبتان تجب مواجهتهما. وهو أن معاني الألفاظ يمكنها أن تتغير بحسب قصد المتكلمين. ولنأخذ مثلاً: الإجهاض. إنّ تحديده يمكن أن يتغير بحسب قصد المشترع. والإجهاض يعني إخراج الجنين إراديًا. ويجب الرجوع إلى مفهوم لغة تخضع لوقائع وأعمال تدل عليها. وإذا كان الزواج واقعًا طبيعيًا. فلا يمكنه أن يكون "عقدًا معلقًا بإرادة متغيرة". ولكن الصعوبة التي تكمن في اللغة في ما خص الزواج، نجدها أيضًا على الصعيد اللاهوتي والعائلة. وعندما أراد الله أن يكشف عن ذاته للناس، استعمل لغة الناس، وهي لغة تعبر عن خبرة البشر لكي ينفسح لهم المجال ليحاولوا فهم شؤون الإيمان على نوره تعالى، ويدركوا بعضًا من سرّ الله. وقد اظهر الله ذاته أبًا، ونعلم ما هي الأبوة البشريّة، ولكن الأبوة الإلهية هي أغنى بما لا يحد من الأبوة البشرية. وبما أنّ اللغة قد أصبحت سلاح قتال، ضد العائلة والحياة، علينا أن نتوقف عندها، وان نرى كيف بإمكاننا أن ندخل عليها روح الإنجيل.

إن شرعة حقوق الإنسان المعلنة 1948 قد دشنت عهدًا جديدًا في ما يخص الاعتراف بالحقوق الإنسانية. إن البابا يوحنا بولس الثاني، في رسالته الأولى: فادي الإنسان، لاحظ "أنّ إعلان حقوق الإنسان بالارتباط مع مؤسسة تنظيم الأمم المتحدة، لم يهدف فقط إلى تجاهل الاختبارات المفجعة التي حدثت في الحرب العالمية الأخيرة، بل إلى إيجاد قواعد لإعادة النظر باستمرار في المناهج، والطرق، والقواعد، انطلاقًا من نقطة أساسية واحدة، وهي رفاه الإنسان، أو فلنقل الشخص في المجموعة، الذي، بوصفه عاملاً أساسيًا للخير العام، يجب أن يشكل النقطة الأساسية لجميع المناهج، والطرق، والأنظمة.

إن عصرنا قد أعطى الشريعة اتجاهًا جديدًا، على الصعيد الدولي، فجعل منها أداة موضوعة في متناول جماعات، وأفراد، ترغب في صياغة مطالب محقة تعبر عن حقوق غير معترف بها بعد. وكان الاتجاه سابقًا، في مثل هذه الحالة، يحدث تغييرًا أساسيًا في طابع القانون الدولي وأهدافه. وكان هدف هذه الشريعة الأساسي حكومة الدول واستقلالها. والحال، أنّ القانون الدولي ركز مؤخرًا على مسلك الأشخاص، وتصرفهم، ومواقفهم، وعلاقاتهم داخل الدول.
والعهد الجديد رافقه ظهور تعبير دولي جدي بغية تسهيل تقدم الحقوق المعنية. وتجدر الملاحظة، في هذا المجال، إنّ مؤرخين كثيرين ورجال علم وسياسة قد اعترفوا أنّ القسم الأوّل من القرن الثامن عشر عرف عددًا من الفلاسفة استعملوا لغة القانون الطبيعي لبعدهم عن الله، وقد أصبحوا في النصف الثاني من القرن عينه ملحدين يستعملون لغة المنفعة.وكان منهج عصر الأنوار يجمع العلمانيّة، والدهريّة، والحرية، وكانت هذه تعني التحرر من السلطة المستبدة، فسادت حرية الكلمة، وحرية التجارة، وحرية تحقيق المواهب الخاصة، والحرية بالنسبة إلى القواعد الجماليّة، وبكلمة، حرية الإنسان الأدبي ليشق له طريقًا خاصًا في العالم. وساد، نوعًا ما، الحق المزعوم بقطع الصلة بين الإيمان والأخلاق. وهذا ما كان في أساس هذه الحرية: وكان الهدف من ذلك جعل المسلك الأدبي لكل فرد مسلكًا أكثر فأكثر فرديًا، ومحررًا من كل علاقة بقاعدة موضوعية خارجية. وحدثت قطيعة بينة ومتعمدة بين المسلك الأدبي الفردي والجماعي من جهة. والميراث المسيحي العادي من جهة ثانية، وهي قطيعة تمت في مناسبة إعلان الكاتب الشهير روسو الذي قال "أن على الدولة أن تتحرر من مفهوم الزواج بوصفه سرًا، وان تعتبره عقدًا مدنيًا قابلاً للفسخ". وليكون الإنسان حرًا، على ما قال هؤلاء الفلاسفة، رجلاً كان أم امرأة، يجب أن يتحرر من الآداب والقواعد الاجتماعيّة الملزمة التي فرضها الزواج، والعائلة، وما يوجبانه على الإنسان من مسؤوليات.

وفي هذه السنوات العشرين الأخيرة التي كانت مسرحًا لتعاظم المطالبة بالحقوق تحت تأثير المنظمات الدولية، وبعض الأفراد الذين طالبوا بالحرية الجنسيّة، وإباحة العلاقات الزوجيّة، والقبول بتحديد العائلة التي لا تقوم على علاقة حصريّة وأمينة بين الرجل وامرأته، راجت الحقوق التي لا ضابط لها باللجوء إلى ما يمنع الحمل، والإجهاض، ووسائل الإنجاب الاصطناعيّة. وكل هذه الحقوق المزعومة دافع عنها مروجوها، ولا يزالون يدافعون عنها، وذلك بلغة معسولة لا تخلو من إبهام وغموض.

وكل هذا النشاط الدولي شجعته، وعملت على نشره، فلسفة ثقافية وقانونية تعمل على رفع شأن حرية الفرد على حساب ما عليه من مسؤولية، وتمتدح الفردية والنفعية. وبكلمة، إنّ هذه الفترة برهنت عن رفض تام للحقيقة المعروفة التي تتعلق بقدسية الحياة البشرية، وبخاصة حياة الأولاد الذين سيولدون، والمعاقين، والشيوخ، وقداسة المحبة الزوجية البشرية، والعائلة المسيحية، التي تقوم عليها هذه المحبة. وكانت كل هذه الانحرافات، بالنسبة إلى "الحقيقة"، موضوع تنظيم تشريعي.

2. دور الثقافة الحديثة وانتقادها

تعتبر الثقافة التقليدية ذات أربعة أبعاد: عقلية، وأدبية، ومادية، وعملية أو مؤسساتية. والثقافة تبدو هكذا كأنها "نظام مفاهيم موروثة، وهذا هو البعد العقلي، ومجموعة نماذج مسلكية، وهذا هو البعد الأدبي، ونظام مفاهيم تمثلها رموز، وهذا هو البعد المادي، وسلسلة اتفاقات تحكم العلاقات البشرية، وهذا هو البعد المؤسساتي، الذي تتواصل عبره الكائنات البشرية، وتستمر. ولكنها تبدل معارفها ومواقفها بالنسبة إلى الحياة وتطورها. ويبدو من تعليم البابا يوحنا بولس الثاني في "طريقة نشر الإنجيل الجديدة" إن الثقافة والأفراد الذين يضعونها وضع العمل يجب أن يبشروا بالإنجيل. ويشدد البابا بالطريقة عينها على أهمية انتقاء الكلمات المناسبة، مثل مفهوم الجسد الزواجي، وكرامة الإنسان، والأمانة، والمحبة، والمسؤولية، لكيلا نذكر غير بعض مفاهيم يعاد النظر فيها.

وفي هذه السنوات الأخيرة، شجعت الثقافة الغربية تقدم الحقوق بفصلها عن النظام الأخلاقي التقليدي المتناسق المعروف في المسيحية. واستطاع الأخصائيون أبراز بعض خصائص تمتاز بها الثقافة الحديثة مثل الفردية، ودمج النظري والعملي في الاقتصاد، وأولوية الشعور، وفقدان الحرية الحقيقية، وأصبح المجتمع شيئًا فشيئًا تعاهديًا، أي في العهد الجديد، راح الناس يجتمعون لكي يفكروا ويناقشوا في إطار نوع جديد من المواصلات. في مجتمع تعاهدي، تكون الحقيقة الاجتماعية مطلقة، ولو كانت قابلة للتغيير في الزمن.

وقد حاولت الكنيسة، على كل المستويات، ان تقاوم كل هذه الاتجاهات التي استقرت في الثقافة، والفلسفة، والقانون، والسياسة. وقد دافع البابا يوحنا بولس الثاني، مثلا، دفاعًا مستميتًا في سبيل الخير العام، وخير الفرد.

‌أ.    عن وجوب حقيقة موضوعية، وعلاقة صحيحة بين الضمير والحقيقة. (تألق الحقيقة).

‌ب.   وعن ضرورة حماية كل حياة بشرية حماية يوجبها القانون، وكل وسيلة أخرى، وذلك منذ الدقيقة الأولى لتكوينها، وحتى نهايتها الطبيعية. (إنجيل الحياة). وعن ضرورة الزواج والعائلة بوصفهما الأساس اللاهوتي والبنية الشرعية للعلاقات داخل الجماعة، وكمعبد أساسي للحياة (المجتمع العائلي والسنة المائة).

‌ج.  وعن الحاجة إلى جمع رئتي الحياة - وجهها اللاهوتي ووجهها الفلسفي - أي إعادة اللحمة بين الإيمان والعقل (الإيمان والعقل).

أيها الأخوة والأبناء الأعزاء،

إن أثمن ما حبا الله به الإنسان إنما هو الحرية، ولكن الحرية تقابلها مسؤولية. وللحرية حدود تقف حيثما تبدأ حرية الآخر. وكلّ مسؤول عن أقواله وأعماله. وان ما نراه ونسمعه في هذه الأيام، وهو يتكرر، ويتعالى، أصبح يدل على فقدان الضوابط، أكثر مما يدل على الحرية. لذلك قيل: كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية.

ومنذ يومين زارنا محامو الضباط الموقوفين قيد التحقيق منذ سنتين، وقالوا لنا أن موكليهم الموقوفين منذ سنتين لم يجرموا أو يبرروا. وقالوا: هذا ظلم فادح. فإذا ثبتت عليهم التهم الموجهة إليهم، فلتصدر بحقهم الأحكام، وإذا لم تثبت، فمن حقهم أن يطلق سراحهم. إما أن يظلوا قيد التحقيق دون أن ينظر في قضيتهم. فهذا ما لا يمت إلى العدالة في شيء. فعسى أن تبقى العدالة عندنا عدالة.

http://www.bkerke.org.lb/publications/publicationdetails.aspx?pubid=78&displang=ar-LB
 


مار شربل للحياة
Saint Charbel for Life Movement
Back to Home page
E-mail us: info@lilhayat.com