lilhayat.com
Facebook
الصفحة الرئيسية|
غرفة الأخبار |
إبحث |
مواضيع ثقافية|
الإجهاض |القتل
الرحيم
|
مشروع الزيارة
| سرّ التوبة
|
صوت|
فيديو|
بابا روما |صلاوات
للحياة |
سؤال وجواب|
البطريرك |
الأسقف الراعي|
Youtube channel
كرامة الشخص البشري
English
مجمع عقيدة الإيمان
تعليم حول بعض المسائل المُتعلّقة بأخلاقيات علم الحياة
مدخل
1- لكل إنسانٍ الحقُ في أن ينالَ كرامةَ الشخصِ البشريِّ، منذ اللحظةِ الأولى للحبلِ بهِ وحتى موته الطبيعي. يجبُ أن يكونَ هذا المبدأُ الأساسيُّ، الذي يعبِّر عن فائقِ القبولِ للحياةِ البشريةِ، في صلبِ التفكُّرِ الأخلاقيّ حول أبحاثِ الطبّ الحيوي، الذي يتمتعُ في عصرِنا هذا بأهميةٍ متزايدة. لقد تدخلَّت السلطةُ التعليميةُ الكنسيّةُ مراراً عديدةً بهدفِ توضيحِ وحلِّ المشاكلِ الأخلاقيةِ المتعلقةِ بهذا المجال. وقد احتلَّت الوثيقةُ التعليميةُ "هبة الحياة" (1) أهميةً فريدةً بهذا الخصوص. واليوم، بعدَ عشرين سنةٍ من ظهورِ هذه الوثيقة، نجدُ من المناسبِ أن نطرحَ ما يُحدِّثَها.
يحتفظُ التعليمُ الذي تضمّنتهُ الوثيقةُ المذكورةُ أعلاه، بقيمتِهِ الكاملةِ، فيما يخصُّ المبادئَ التي اعتمدَ عليها والمقاييسَ الأخلاقيةَ التي أصدَرها. إلا أن هناك بعض التقنياتِ الجديدةِ، التي ظهرَت في هذا الحقلِ الحسّاسِ من حياةِ البشرِ وحياة العائلةِ، والتي تطرحُ تساؤلاتٍ جديدةً، بشكلٍ خاص في مجالِ البحثِ العلميِّ في الأجنّةِ البشريّةِ واستعمالِ الخلايا الأم (الجذعية) لأهدافٍ علاجيةٍ بالإضافةِ لأهدافٍ تخصُّ مجالاتٍ أخرى مِن الطب الاختباريّ، وهي بحاجةٍ لإجاباتٍ جديدةٍ أيضاً. إن تسارُعَ التطورِ في الحقلِ العلميّ وتضخيمَ شأنِهِ بواسطةِ وسائِلِ الإعلام، يخلقُ في الرأي العامِّ آمالاً وشكوكاً تخصُّ مجالاتٍ مُتعددة. وبهدف التنظيمِ القانوني لهذه المشاكل، تَجد السلطاتُ التشريعيّةُ نفسها مرغمةً على اتخاذ قراراتٍ، تُشرِكُ فيها أحياناً الرأيَ العامَّ أيضاً.
قد دفعت هذه الأمور مجتمعةً مَجمعَ عقيدةِ الإيمانِ لإصدارِ تعليمٍ جديدٍ ذي صفةٍ عقائديةٍ، لمواجهةِ بعضِ المشاكلِ الحديثةِ وهذا على ضوءِ المعاييرِ التي صرّحَتْ بها الوثيقةُ التعليميةُ "هبة الحياة"، فتعودُ لتعالجَ بعض المواضيعِ التي سبقَ التطرّقُ إليها وذلك لحاجتِها لتوضيحاتٍ إضافية.
2- قد أخذنا دائماً بعينِ الاعتبارِ، خلالَ عرضِنا هذا، الحقائقَ العلميةَ، مستعينينَ بأبحاثِ "الأكاديمية الحبرية للحياة"، وبعددٍ كبيرٍ من الأخصّائيين، لنقارنَ نَتائجَهم مع مبادئِ الأنثروبولوجيا المسيحية. إن رسائلَ البابا يوحنا بولس الثاني العامةَ "تألق الحقيقة" (2) و"انجيل الحياة" (3) بالإضافةِ لبعضِ المُداخلات الأخرى للسلطةِ التعليميةِ، تُقدم لنا إرشاداتٍ واضحةً تخصُّ منهجَ ومُحتوى الدراسةِ للمشاكلِ التي نحنُ بصددِ الحديثِ عنها.
في عالم الفلسفة والعلم الحاليّ والمُتعدد الأطياف، يُمكننا أن نجدَ حُضوراً كبيراً ومُميَّزاً لعُلماءٍ وفلاسفةٍ يَرون، بحسبِ قَسَمِ أبقراط، في الطبِّ خدمةً لضعفِ الإنسانِ، ولعلاجِ الأمراضِ، ولتخفيف الآلام، ولتوزيع العلاجاتِ اللازمةِ بشكلٍ عادلٍ على البشريةِ جمعاء. لكن هناكَ أيضاً مِن الفلاسفةِ والعُلماءِ مَن يَعتبرُ التطورَ المتزايدَ لتقنياتِ الطبِّ الحيويِّ مجالاً أساسياً لتحسينِ النسلِ البشري.
3- في إصدارها المبادئَ والمقاييسَ الأخلاقيةَ الواجبةَ في أبحاثِ الطبِّ الحيويِّ المتعلقةِ بالحياةِ البشريةِ، تستندُ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ إلى نورِ العقلِ ونورِ الإيمان، مُساهمةً بذلكَ في تشكيلِ رؤيةٍ شاملةٍ للإنسانِ ودعوتِهِ، وهي تتقبَّلُ كلَّ ما هو صالحٌ من عَمَلِ البشرِ ومِن تقاليدِهِم الحضاريةِ والدينيّةِ المتعدّدةِ، التي غالباً ما تُظهرُ احتراماً فائقاً للحياة.
تودُ السُلطةُ التعليميّةُ أنْ تُشجّعَ وتَدعَمَ النظرةَ الثقافيةَ التي ترى في العِلم خدمةً ثمينةً لخيرِ الحياةِ بكاملِها ولصالحِ كرامةِ كلِّ إنسان. فالكنيسةُ تنظرُ إلى الأبحاثِ العلميةِ بأملٍ وتتمنى أن تَجدَ الكثيرَ من المسيحيينَ يُكرسونَ أنفسَهم لتطوُّرِ الطبِّ الحيويِّ ويَشهدونَ عن إيمانِهم في هذا المجال. كما تَرغبُ في أن تَكون نَتائجُ هذه الأبحاثِ في مُتناولِ شعوبِ المناطقِ الفقيرةِ والمنكوبةِ بالأمراضِ، في سبيلِ مواجهةِ الحاجاتِ الإنسانيةِ المُلحّةِ والمأساويةِ. وفي النهايةِ فهي تنوي أن تَكونَ حاضرةً بجانبِ كلِّ شخصٍ يتألمُ في الجسدِ أو في الروحِ، لا لتقدِّمَ له التعزيةَ وحَسب، بل النورَ والرجاءَ أيضاً. فهما يمنحانِ للحياةِ معنى حتى في أوقاتِ المرضِ وفي خبرةِ الموتِ، اللتانِ ترتبطانِ بواقعِ حياةِ الإنسانِ، وتَسمانِ تاريخَهُ، مُشرعين أمامهُ سرَّ القيامة. فنظرةُ الكنيسةِ ممتلئةٌ بالثقةِ لأن «الحياةَ سوف تنتصر: هذا رجاءٌ أكيدٌ لنا. نعم، الحياةُ ستنتصر، لأن الحقيقةَ والصلاحَ والفرحَ والتطورَ الحقيقيَّ معها. الله مع الحياة، الله الذي يحب الحياة ويهبها بسخاء». (4)
يتوجهُ هذا التعليمُ للمؤمنينَ ولكلِّ أولئكَ الذين يبحثونَ عن الحق. (5) وهو يتألف مِن ثلاثةِ أقسام: الأولُ يَذكُرُ بعضَ المبادئ الأنثروبولوجيةِ واللاهوتيةِ والأخلاقيةِ التي تُشكلُ أساساً هاماً؛ الثاني يُواجه مشاكلَ جديدةً تتعلقُ بالإنجابِ؛ والثالثُ يدرُسُ بعض الفُرصِ الجديدةِ التي تُوفِّرُ عِلاجاً عن طريقِ التَلاعب بالأجنّة البشريّةِ وبالإرثِ الجّينيِّ للإنسان.
القسم الأول
بعض المبادئ الأنثروبولوجية واللاهوتية والأخلاقية
المتعلقة بالحياة وبالإنجاب عند الإنسان
4- قد تَطوّرت في العقودِ الأخيرةِ مَعارِفُ العلومِ الطبيّةِ بشكلٍ كبيرٍ وخصوصاً فيما يتعلّقُ بالحياةِ البشريةِ في المَراحِلِ الأولى لتكوينِها. فقد توصّلَت هذه العلومُ لمعرفةِ بُنى الإنسانِ البيولوجيةِ وعمليّةِ تشكيلها. وبالتأكيدِ فإن هذه التطوراتِ لإيجابيةٌ وتَستحق الدعمَ، عندما تَسعى لتجاوزِ أو شفاءِ الأمراضِ وتُساهمُ في إعادةِ عمليةِ الإنجابِ إلى وضعِها الطبيعيّ. إلا أنها سلبيةٌ، وبالتالي لا يمكن قبولُها، عندما تقتضي قتلَ البشرِ أو عندما تَستخدمُ وسائلَ تجرحُ كرامةَ الشخصِ البشريّ أو عندما تُستَخدمُ لأهدافٍ تُناقضُ خيرَ الإنسانِ الشامل.
إذ لا يمكنُ أن يُعتبرَ جَسدُ الإنسانِ، في مَراحلِ تشكُّلِهِ الأولى، مجرّدَ خلايا مجتمعة. فجسدُ الجنينِ ينمو تدريجيّاً وفقَ «برنامجٍ» محدَّدٍ نحوَ غايةٍ تتجلّى لنا في ولادة كلِّ طفلٍ جديد.
من المُفيدِ هنا أن نُذكّرَ بالمِعيارِ الأخلاقيّ الأساسيّ الذي تحدثَ عنه تعليمُ "هبة الحياة" كمِقياسٍ لجميع المسائلِ الأخلاقيةِ المتعلقةِ بالعمليّاتِ المُمارسةِ بحقِّ الأجنّةِ البشرية: «إن ثمرةَ عمليةِ الإنجابِ البشريةِ، منذُ اللحظةِ الأولى لوجودِها، أي منذ تشكُّلِ الخليةِ المُلقحة، تتطلَّبُ احتراماً لامَشروطاً، سببُهُ الأخلاقيّ هو وجودُ الإنسانِ بكاملِهِ أي الجسديّ والروحيّ. يجب إذاً احترامُ الإنسانِ ومعاملتُهُ كشخصٍ بشريٍّ منذ الحَبَلِ بهِ، وبالتالي يجبُ الإعترافُ بحقوقهِ كشخصٍ بشريٍّ منذ تلك اللحظةِ، ومن بينِ هذه الحقوقِ وقبلَ كلِّ شيءٍ الحقُ غير القابلِ للإنتهاكِ، أي حقٌّ كلِّ إنسانٍ بريءٍ في الحياة». (6)
5- فيجبُ أن يكونَ هذا المِعيارُ الأخلاقيُّ – الذي يعترفُ به العقلُ حقيقيّاً و مُطابقاً لشريعةِ الأخلاقِ الطبيعيةِ – أساساً لكلِّ نظامٍ قانوني. (7) لأنه، كما تُعلّمُ الوثيقةُ المذكورةُ، يستنِدُ إلى حقيقةٍ أونطولوجيةٍ، تَدعمُها المعارفُ العلميةُ التي تؤكّدُ لنا مَبدأَ الإستمراريةِ في عمليةِ نموِّ الإنسان.
وإذا كانَ تعليمُ "هبةِ الحياة" لَم يُطلِق على الجنينِ تعبيرَ "شخصٍ" فقد فعلَ هذا كي لا يَنصرفَ صَراحةً لتأكيداتٍ ذاتِ طابعٍ فلسفيّ، لكنه بيَّنَ أن هناكَ علاقةً جوهريةً بين البُعدِ الأونطولوجيّ والقيمةِ الخاصة لكلِّ إنسان. وحتى لو كانَ يستحيلُ بأيِّ طريقةٍ من طرقِ الملاحظةِ التجريبيةِ تأكيدُ وجودِ نفسٍ روحيةٍ، فإن نتائجَ عِلْمِ الأجنّةِ البشريِّةِ نفسَها تُعطينا «مؤشراً ثميناً لنميّزَ بالعقلِ حضوراً شخصياً منذُ بدايةِ ظهورِ الحياةِ البشرية: إذاً كيفَ لا يكونُ الفردُ البشريُّ شخصاً بشرياً؟». (8) فواقعُ الإنسانِ، في كلِّ مراحلِ حياتِهِ، لا يقبلُ تغييراً في طبيعتِهِ ولا تدرُّجاً في قيمتِهِ الأخلاقيةِ، لأنه يتمتّع بملء الصفاتِ الأنثروبولوجيةِ والأخلاقية. فالجنين البشري يملكُ منذ اللحظةِ الأولى كرامةَ الشخصِ البشريّ.
6- إن احترام كرامةِ الشخص أمرٌ واجبٌ تجاه كلِّ إنسانٍ، لأنه يَحظى بكرامةٍ خاصةٍ ويتمتّعُ بقيمةٍ شخصيّةٍ لا تُمحى. من جهةٍ أخرى تستمدُّ الحياةُ البشريةُ جذورها الأصيلة من الزواج والمحيطِ العائليّ الذي فيهِ يولدُ الإنسانُ بفضلِ فعلٍ يُعبِّرُ عن الحبِّ المُتبادل بين الرجلِ والمرأة. والإنجابُ عملٌ يحملُ في ذاتهِ مسؤوليةً تجاهَ الطفل وهو لذلك «يجب أن يكونَ ثمرةً للزواج». (9)
فالزواجُ متواجدٌ في جميعِ الأزمنةِ والثقافات، «قد أسَّسهُ اللهُ الخالقُ بحكمةٍ وعنايةٍ ليُحقِّقَ في البشريةِ خطةَ محبّته. إذ يسعى الزوجانِ للشركةِ الشخصيةِ، عن طريق العطاءِ الشخصيّ المُتبادَل، وبهذه الشركةِ يُعينُ كلُّ واحدٍ منهما الآخرَ في مسيرةِ الكمالِ، للتعاونِ مع الله في انجابِ وتربيةِ أشخاصٍ جُدُد» (10) فالرجُلُ والمرأةُ، عن طريقِ خصوبةِ حبّهما الزوجيّ «يُؤكّدانِ أنَّ أصلَ حياتهم الزوجيةِ قائمٌ على "نَعَمٍ" أصيلٍ، يُقوله الواحدُ للآخر ويعيشه الواحد لأجلِ الآخر، ويبقى على الدوامِ منفتحاً على الحياةِ... الشريعةُ الطبيعيةُ، التي هي قاعدةُ المساواةِ بينَ الأشخاصِ والشعوبِ، تستحقُّ أن نعترفَ بها كمصدرٍ مُلهمٍ لعلاقةِ الزوجينِ بعضهما ببعض ولمسؤوليّتهم في إنجابِ البنين. إن تناقُلَ الحياةِ لأمرٌ مكتوبٌ في الطبيعةِ التي تُشكِّلُ بشريعتها نظاماً لامكتوباً عليهما الرجوعُ إليهِ». (11)
7- إنَّ الكنيسةَ مقتنعةٌ بأنَّ الإيمانَ لا يقبلُ كلَّ ما هو إنسانيٌّ ويحترمُهُ وحسْب بل يقومُ بتنقيَتِهِ ويرفعُ من شأنهِ ويسيرُ به إلى كمالِهِ. فبعدَ أن خلقَ اللهُ الإنسانَ على صورتِهِ كمثالِهِ (رج تك 1: 26)، وصفَ خليقتَهُ بأنها «حسنةٌ جداً» (تك 1: 31)؛ ومن ثم اتخذها في نفسِهِ بتجسُّدِ الابنِ (رج يو 1: 14). لقد أكَّدَ ابنُ اللهِ بتجسُّدِهِ كرامةَ الجسدِ والنفسِ، أي الإنسانَ بكامله. فالمسيحُ لم يزدَرِ جسدانيّةَ الإنسانِ بل أظهرَ معناها وقيمتَها بشكلٍ كاملٍ: «فبالحقيقة لا تُلقى الأضواءُ الحقّةُ على سرِّ الإنسان إلا مِن خلالِ سرِّ الكلمةِ المُتجسِّد». (12)
فعندما صارَ واحداً منّا، جعلنا الابنُ قادرينَ على أن نصيرَ أبناء الله (يو 1: 12) و«شركاءَ في الطبيعةِ الإلهيةِ» (2 بط 1: 4). إن هذا الواقعَ الجديدَ لا يتعارضُ البتّةَ مع كرامةِ الخليقةِ التي يعترفُ العقلُ البشريّ بها، بل يرفعُ من شأنها ويفتحُ أمامها أفقَ حياةٍ أسمى، أي حياةِ الله نفسِهِ ويسمحُ لنا بأن ننظُرَ لحياةِ الإنسانِ ولفعلِ الإنجابِ بطريقةٍ أنسَب. (13)
على ضوءِ مُعطياتِ الإيمانِ هذه، يكتسبُ احترامُ الفردِ البشريِّ، الذي يفرضُهُ علينا العقلُ، تأكيداً وقوةً: لهذا لا وجودَ لتعارضٍ بين التأكيدِ على كرامةِ الحياةِ البشريةِ وقُدسيّتها. «إن الأساليبَ المتعدّدَةَ التي بِها يَسهرُ اللهُ على الإنسانِ والعالمِ في التاريخِ، لا تتنابَذُ بل بالعكسِ تتساندُ وتتداخَلُ. جميعُها تصدُرُ عن قصدِ حكمَةِ اللهِ ومحبّتِهِ الذي بِهِ يُعدُّ الناسَ "ليكونوا على شَبَهِ صورةِ ابنِهِ" (رو 8: 29).» (14)
8- استناداً إلى البُعدَين الإنساني والإلهي نفهمُ بشكلٍ أفضلَ سببَ قيمةِ الإنسانِ غيرِ القابلةِ للإنتهاك: فالإنسانُ مدعوٌّ منذُ الأزلِ ليشتركَ في محبةِ الله الحيِّ الثالوثيّة.
وهي لقيمةٌ تخصُّ كلَّ إنسانٍ دون أيِّ تمييزٍ. لمجرَّدِ وجودِهِ يجب أن ينالَ كلُّ إنسانٍ ملءَ الإحترامِ. لذا علينا إلغاءُ كافةِ معاييرِ التمييزِ في الكرامةِ، تلكَ المبنيةِ على النموِّ، بيولوجيّاً كانَ أم نفسيّاً أم ثقافيّاً أم صحيّاً. ففي كافةِ مراحِلِ وجودِ الإنسانِ المخلوقِ على صورةِ اللهِ ينعكِسُ «وجهُ ابن الله الوحيد... إن محبةَ الله اللامحدودة هذه والتي يصعبُ على الإنسانِ إدراكها، تُظهِرُ لنا إلى أيِّ مدى يستحقُّ الشخصُ البشريُّ أن يكونَ محبوباً لذاتِهِ، دون الرجوعِ لأيِّ معيارٍ آخرَ كالذكاءِ والجمالِ والصحةِ والشبابِ والكمالِ الجسديّ...إلخ. وبالتالي فالحياةُ البشريةُ هي دائماً أمرٌ صالحٌ، لأنها "ظهورُ اللهِ على الأرض، علامةُ حضوره وأثرُ مجدِهِ" (إنجيل الحياة 34)». (15)
9- يسمحُ لنا جانِبا الإنسان هذان، أي الطبيعيّ والفَوق طبيعيّ، بأن نفهم بشكلٍ أفضلَ حقيقةَ الفِعل الزوجي الذي يأتي بالإنسانِ إلى الوجود، وكيف أنهُ أمرٌ يقومُ من خلاله كلٌّ من الرجلِ والمرأةِ بهبةِ نفسِهِ للآخر، فهو إذاً فعلٌ يعكِسُ محبةَ الله الثالوث. «إن الله الذي هو محبةٌ وحياةٌ قد دعا الرجُلَ والمرأةَ دعوةً للدخولِ بشكلٍ خاصٍّ في سرِّ شركَتِهِ الشخصيّةِ وفي عملِهِ كخالقٍ وأب». (16)
فالزواجُ المسيحيُّ «يستمدُّ جذورهُ من التكاملِ الطبيعيِّ بين الرجُلِ والمرأةِ، وينمو بفضلِ إرادةِ الزوجَين الشخصيةِ بأن يتقاسما مشروعَ حياتهما كاملاً، أي كلَّ ما يملكان وكلَّ ما هُما عليه: لذا تكونُ شركَتُهما هذه ثمرةَ حاجةٍ إنسانيّةٍ عميقةٍ وعلامةً لها. وفي المسيحِ الربِّ قد اتّخذَ اللهُ هذه الحاجةَ الإنسانيةَ وثبَّتَها، ومن ثم نقّاها ورفعَ من شأنها مُكمّلاً إياها في سرِّ الزواج: فالروحُ القدسُ الذي يفيضُ خلال الاحتفالِ بهذا السرِّ المُقدّس، يمنحُ العروسيَنِ المسيحيَّينِ عطيّةَ شركةِ حبٍّ جديدةٍ، تكونُ صورةً حيةً وحقيقيةً لتلكَ الوحدةِ الفريدةِ بين المسيحِ وكنيستِهِ والتي بفضلها تُصبحُ الكنيسةُ جسدهُ السرّي غير المُنقَسِم». (17)
10- إنَّ الكنيسةَ بإصدارها أحكاماً حولَ القيمةِ الأخلاقيّةِ لنتائجِ الأبحاثِ الطبيةِ الحديثةِ، المُتعلّقةِ بالإنسانِ وأصولِهِ، لا تتدخَّلُ في المجالِ العلميِّ للطبِّ، بل تدعو كلَّ العاملينَ فيه إلى تحمُّلِ مسؤوليتِهم الأخلاقية والاجتماعية المُترتّبة على عملهم هذا. وتُذكّرهم بأنَّ القيمةَ الأخلاقيةَ لعلمِ الطبِّ الحيويِّ تُقاسُ بمعيارِ الاحترامِ اللامشروطِ الواجبِ تجاهَ كلِّ إنسانٍ، في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ حياتِهِ، كما بحمايةِ خصوصيّةِ الفعلِ الزوجيّ، ذو الطابعِ الشخصيِّ، الذي يمنحُ الحياةَ. تقعُ إذاً مُداخلةُ السلطةِ التعليميّةِ هذه ضمنَ نطاقِ رسالتِها في تنشئةِ الضمائر، وذلك بعرضها الحقيقةَ الأصيلةَ، التي هي المسيحُ نفسُهُ، وهي تُصرِّحُ في نفس الوقتِ عن مبادئِ النُظُمِ الأخلاقيةِ النابعةِ من الطبيعةِ البشريةِ نفسها وتؤكِّدُها بسُلطانها. (18)
القسم الثاني
المشاكل الجديدة المتعلقة بالإنجاب
11- على ضوء المبادئ التي ذكرناها، علينا أن نمتحِن بعض المشاكل المتعلّقة بالإنجاب، تلك التي ظهرت بشكلٍ أوضح في السنوات التي تلت إصدار تعليم "هبة الحياة".
التقنيات المُساعدة على الإخصاب
12- على التقنيات الطبيّة الجديدة الرامية لعلاج العقم أن تُراعي ثلاثةَ أمورٍ أساسية:
أ ) حقَّ كلِّ إنسانٍ في الحياةِ وفي السلامةِ الجسديّة، منذُ الحَبَلِ به وحتى وفاتِهِ الطبيعية؛
ب ) وحدةَ الزواجِ، التي تَعني احترامَ حقِّ الزوجَين في أن يَكونا أباً وأُماً كلَّ واحدٍ مِن خلالِ الآخرِ حصرياً؛ (19)
ج ) قِيمَ الجنسِ الإنسانيةِ التي «تتطلَّبُ أنْ يكونَ إنجابُ الشخصِ البشريِّ ثمرةَ الفِعلِ الزوجيِّ المُعبِّرِ عن حُبِّ الزوجَين المُتبادَل» (20). فالتقنياتُ المُساعدة على الإنجابِ «ليستْ مرفوضةً بحدِّ ذاتِها لكونِها إصطناعيّة، إذ أنها تَشهدُ عن إمكاناتِ العلومِ الطبّيةِ، إلا أنه يجبُ تقييمُها أخلاقياً بالرجوعِ إلى مَبدأ كرامةِ الشخصِ البشريِّ، فالإنسانُ مدعوٌّ لتحقيقِ مشيئةِ الله الذي يَدعوهُ إلى عطيةِ المحبةِ وعطيةِ الحياة» (21).
على ضوءِ هذا المِعيار يجبُ رفضُ جميعِ تقنياتِ الإخصابِ الإصطناعيِّ غيرِ المُتجانِس (22) وتقنياتِ الإخصابِ الإصطناعيِّ المُتجانس (23) التي تحلُّ محلَّ الفعلِ الزوجيّ. أما التقنياتُ التي تعينُ الفعلَ الزوجيَّ وتساعدُ على خصوبتِهِ فهي مَسموحة. هذا ما يُعبِّر عنه تعليمُ "هبة الحياة" بقولِهِ: «إنَّ الطبيبَ في خدمةِ الأشخاصِ وخدمةِ الإنجابِ البشريِّ، لذا فليستْ لديهِ إمكانيةُ التحكّمِ بها أو اتّخاذِ القرارِ عنها. فيكونُ إذاً التدخُّلُ الطبيُّ في هذا المجالِ مُحتَرِماً كرامةَ الأشخاصِ عندما يَهدفُ إلى مُساعدةِ الفعلِ الزوجيِّ ليُسهِّلَ إتمامَهُ أو ليسمحَ لَهُ بالوصولِ إلى غايتِهِ، بعدَ أنْ يكونَ قد تمَّ بشكلٍ طبيعيّ». (24) أما فيما يتعلّقُ بالتلقيحِ الإصطناعيِّ المُتجانس فيقول: «لا يُمكِن السماحُ بالتلقيحِ الإصطناعيِّ المُتجانسِ داخلَ الزواجِ، عَدا في حالةِ كانت التقنيةُ المُستخدَمةُ لا تَحلُّ مَحلَّ الفعلِ الزوجيّ، بل تكونُ بمثابةِ تَسهيلٍ ومعونةٍ له، كيما يصلَ هذا الفعلُ إلى غايتِهِ الطبيعية». (25)
13- ومن الطبيعيّ أن تكونَ العمليّاتُ التي تهدفُ لإزالةِ العَقباتِ التي تَحولُ دونَ الإخصابِ الطبيعيّ مسموحةً، نذكُرُ على سبيل المِثال: العلاجُ الهرمونيّ للعقمِ الناتِجِ عن الغُدَدِ التناسليةِ والعلاجُ الجِراحيُّ لمرَضِ البُطانِ الرَحمي وفتحُ البوقَين أو إصلاحُهُما عن طريقِ العملِ الجراحي. تُعتَبَرُ جميعُ هذه التقنياتِ علاجاً حقيقياً إذا ما عمِلَت على حلِّ المُشكلةِ المُسببةِ للعقمِ، فتُمكِّنُ بالتالي الزوجَين من العودةِ لممارسةِ الفعلِ الزوجيّ المؤدّي للإنجابِ، دونَ أن تُلزِمَ تدخُّلَ الطبيبِ المباشَرَ في هذا الفِعل. فلا يُمكنُ لتقنيةٍ أن تحلَّ محلَّ الفعلِ الزوجيّ، فهو وحدَهُ اللائِقُ بالإنجابِ المسؤول.
كما أنه، لتلبيةِ رغبةِ الكثيرِ مِنَ الأزواجِ التي تُعاني مِنَ العقمِ في أن يكونَ لها طفلٌ، يَبدو أمراً حسناً تشجيعُ عمليةِ تبنّي العديدِ مِن الأطفالِ اليَتامى ودعمُها وتسهيلُها بواسطةِ نُظُمٍ قانونيةٍ مناسبةٍ، فهم أطفالٌ يحتاجونَ في سبيلِ نموّهِم الإنسانيّ إلى دفءِ العائلةِ. وهنا علينا أن نَذكُرَ أيضاً الأبحاث والإستثمارات التي تهدفُ للوقايةِ من العقمِ وهي تستحقُّ التشجيع.
الإخصاب في المُختبر (أطفال الأنابيب) وطرح الأجنّة المتعمَّد
14- لقد سبقَ ونبَّهَ تعليمُ "هبةِ الحياة" إلى أنَّ عمليةَ الإخصاب في المختبر غالباً ما تؤدي إلى طرحِ الأجنّة المُتعمَّد. (26) وفيما مضى كان البعضُ يعتقدُ أن سببَ هذا الطرح يعودُ لسوءِ التقنياتِ المستخدَمة. لكن الخبرةَ قد أثبَتَت أن جميعَ تقنياتِ الإخصابِ في المُختبر تقومُ على اعتبارِ الجنينِ البشريّ مجرّدَ تجمُّعٍ خَلَويٍّ يستعملهُ الأخصائيون، فيختارونَ البعضَ ويطرحون الباقي.
صحيحٌ أنَّ ثُلثَ النساءِ اللواتي يلجأنَ إلى تقنيةِ الإنجابِ الإصطناعيّ يَحصلْنَ في النهايةِ على طفلٍ، لكن علينا أن نُنبّهَ إلى أنَّهُ بمقارنةِ العددِ الإجماليّ للأجنّةِ الناتجةِ عن عمليةِ الإخصابِ الإصطناعيّ مع عددِ الأجنّةِ التي تصلُ إلى مرحلةِ الولادةِ، نرى أنَّ عددَ الأجنّةِ التي يُضحّى بها مُرتفعٌ جداً. (27) أما أخصّائيو الإخصابِ في المُختبر فيعتبرونَ هذا الكمَّ مِن الخسارةِ مُجرّدَ ثمنٍ يجب دفعهُ في سبيلِ الحصولِ على النتائجِ الإيجابية. في الواقع إنه لأمرٌ يثيرُ القلقَ الشديدَ، إذ أنَّ البحوثَ تهدفُ بشكلٍ أساسيٍّ لتنالَ النتائجَ الأفضلَ، فتضعُ في حسابِها عدَدَ الأطفالِ المولودينَ مقارِنةً إيّاهُ بعددِ النساءِ اللواتي يخضعْنَ لهذه التقنيةِ، دونَ أن تهتمَّ فعلياً بحقِّ كلِّ جنينٍ في الحياة.
15- غالباً ما يعترضُ البعضُ على هذا بقولِهم إنَّ فقدانَ الإجنّةِ هذا يتمُّ في أكثرِ الأحيانِ دونَ قصدٍ مُسبَق، أو حتى أنّهُ يتمُّ ضدَّ إرادةِ الأهلِ والأطبّاء. ويؤكّدونَ بأن الأمرَ ليس سوى مخاطرةٍ لا تختلفُ كثيراً عن تلك التي تتمُّ في الإنجابِ الطبيعيّ، وبأنَّ منحَ الحياةِ دونَ شجاعةِ المُخاطرةِ يعني عملياً الإمتناعَ عن منحها. صحيحٌ أنه ليسَ كلُّ فقدانٍ للأجنّةِ في عمليةِ الإخصاب في المُختبر تتعلقُ دائماً بنفسِ المقدارِ بإرادةِ الأشخاصِ المَعنيينَ، لكن صحيحٌ أيضاً أنه في حالاتٍ عديدةٍ يكونُ تركُ الأجنّةِ أو تدميرُها أو فقدانُها مُتوقّعاً ومَقصوداً.
فيحدثُ أن يُطرحَ فوراً أطفالُ الأنابيبِ الذينَ يشكونَ من عيوبٍ. كما أننا نلاحظُ تزايُدَ عددِ الأزواجِ غيرِ العقيمينَ الذينَ يلجؤونَ إلى تقنياتِ الإخصابِ الإصطناعيّ بهدفٍ وحيدٍ وهوَ اختيارُ جنسِ الطفل. وفي بلدانٍ مُتعددةٍ جَرَتِ العادةُ على تَحريضِ الدورةِ الشهريةِ للمرأةِ للحصولِ على عددٍ كبيرٍ من البويضاتِ التي يقومونَ بتلقيحِها. ثم ينقلونَ عدداً منها إلى رَحمِ الأمِّ، أمّا الباقي فيُجمِّدونه ليُعادَ استعمالُهُ لاحقاً في حالِ أرادَ الزوجَين الإنجابَ مرةً أخرى. أما نقلُ أجنّةٍ عديدةٍ إلى رحمِ الأمِّ فيهدفُ لتَحقيقِ التعشيشِ لجنينٍ واحدٍ على الأقل، والوسيلةُ المُتبعةُ للوصولِ إلى هذا الهدفِ هي استعمالُ عددٍ من الأجنّةِ يفوقُ عددَ الأطفالِ المرغوبِ بهم، إذ أنهم يتوقّعونَ فُقدانَ البعضِ، وفي أكثرِ الأحوالِ يتحاشونَ الحملَ بأكثرِ من طفلٍ. والنتيجةُ لهذا "النقل المتعدد" هو استخدامُ الأجنّةِ كمجرّدِ أدواتٍ. ومما يُلفتُ للإنتباه هو أنَّ الأخلاقيات المهنيّة للطبِّ والسُلطاتِ المسؤولةَ عنهُ لا تَسمحُ في أيِّ مجالٍ آخرٍ مِن مجالاتِ الرعايةِ الطبيةِ بتقنياتٍ تُؤدي إلى نسبةٍ مرتفعةٍ من النتائِجِ السلبيةِ الحَتميةِ كما في هذا المجال. في الواقع هُم يقبلونَ تقنياتِ الإخصاب في المُختبر لأنهم يَعتقدونَ بأن الجنينَ لا يستحقُّ احتراماً كاملاً، فإحترامٌ كهذا يتعارَضُ معَ رغبتِهم التي يُريدونَ إشباعَها.
هذا الواقعُ المؤلمُ والذي غالباً ما يُكتَّمُ عليه لجديرٌ باللومِ الشديدِ، ذلك «أنَّ مُختلفَ تقنياتِ الإخصابِ الإصطناعيّ التي تبدو أنها في خدمةِ الحياةِ والتي كثيراً ما تُستخدَمُ لهذا الهدفِ، تفتحُ في الحقيقةِ المجالَ لأشكالٍ جديدةٍ من التعدّي على الحياة». (28)
16- أضِف إلى ذلكَ أنَّ الكنيسةَ تَعتبرُ فَصْلَ عمليةِ الإنجابِ عن الفعلِ الزوجيِّ بطابعهِ الشخصيّ أمراً مرفوضاً أخلاقياً. (29) فالإنجابُ البشريُّ فِعلٌ يَخُصُّ الرجلَ والمرأةَ كزَوجَينِ ولا يمكن أن يتحمَّلَ أي نوعٍ من أنواعِ التفويض. إن القبولَ اللاّمُبالي لنسبةِ الإجهاضِ المرتفعةِ التي تَحدُثُ خلالَ عمليةِ الإخصابِ في المُختبر، تُبرهنُ بجلاءٍ عن أن استبدالَ الفعلِ الزوجيِّ بالتقنيةِ الإصطناعيةِ يُخالفُ الإحترامَ الواجبَ تِجاهَ عمليةِ الإنجابِ – التي لا يمكنُ اختصارها في بُعدها التكاثريِّ فقط – و يُساهمُ في إضعافِ الوعي بالنسبةِ للإحترامِ الواجبِ لكلِّ إنسان. أمّا حَميميّةُ الزوجَينِ وحبُّهما المُتبادَل فتدعمُ الإعترافَ بواجبِ هذا الإحترام.
ورغمَ أن الكنيسةَ تعترفُ بمشروعيّةِ الرغبةِ في طفلٍ وتتفهّمُ آلامَ الأزواجِ الذين يعانون من العقمِ، إلا أنهُ لا يمكنُ أن تحتلَّ هذه الرغبةُ المرتبةَ الأولى، مُتعدّيةً على احترامِ الحياةِ البشريةِ، لدرجةِ تحكّمها فيها. فالرغبةُ بطفلٍ لا تُبرِّرُ "انتاجَه" كما أن عدمَ الرغبةِ فيه لا يُبرِّرُ هجرهُ أو قتله.
في الواقع يَعمُّ شعورٌ مفادُهُ أنَّ بعضَ الباحثينَ الذينَ تَخلّوا عن أيةِ مَرجعيةٍ أخلاقيةٍ والذينَ يَعرفونَ الإمكاناتِ الكامنةِ في التطورِ التقني، قد استسلَموا لمنطقِ اشباعِ الرغباتِ الذاتيةِ (30) وللضغطِ الإقتصاديّ القويِّ جداً في عصرنا هذا. لذا ينبغي أن نُكرِّرَ، أمامَ واقعِ إستخدامِ الإنسانِ الغرضيِّ في مرحلةِ تكوّنِهِ الجنينيّ، أن «محبةَ الله لا تُفرِّقُ بينَ الجنينِ في رحمِ أمّهِ أو الطفلِ أو الشابِّ أو الشخصِ الناضجِ أو الشيخِ، لأن الله يَرى في كلِّ واحدٍ منهم صورتَهُ ومثالُهُ... لهذا فإن السلطةَ التعليميةَ الكنسيّةَ تُعلنُ بإستمرارٍ قدسيةَ كلِّ حياةٍ بشريةٍ وعدمَ مشروعيّةِ انتهاكِها، منذُ الحبلِ بها وحتى نهايتها الطبيعية» (31).
الإخصاب المِجهري (ICSI)
17- من بين جميعِ تقنياتِ الإخصابِ الإصطناعي الحديثةِ احتلّت تقنيةُ الإخصابِ المِجهري (Intra Cytoplasmic Sperm Injection) تدريجياً أهميةً خاصة. (32) وقد غَدَت هذه التقنيةُ أوسَعَ انتشاراً مِن غَيرها بفضلِ نتائِجِها الناجحَةِ، فهي تمكِّنُ مِن حلِّ أشكالٍ عديدةٍ مِنَ العقمِ الذكريّ. (33)
يُعتَبَرُ الإخصابُ المجهريُّ – شأنُهُ شأنَ تقنيةِ أطفالِ الأنابيبِ، إذ يُشكِّلُ أحدَ أنواعِهِ – تقنيةً غيرَ جائزة في جوهرها: فهي تقومُ على الفصلِ التام بينَ الإنجابِ والفعلِ الزوجيّ. إذ أنها «تتمُّ خارجَ جسدَي الزوجَين، وذلكَ بتدخُّلِ أشخاصٍ آخرينَ يُحدِّدونَ بخبرتِهِم وعملِهِم نجاحَ العمليةِ؛ وهي لتقنيةٌ تستودِعُ حياةَ الجنينِ وهويتَهُ بين أيدي أطباء وأخصّائيينَ بيولوجيينَ، وبالتالي تُسيطِرُ التقنيةُ على أصلِ ومصيرِ الشخصِ البشريّ. وسيطرةٌ كهذهِ تخالفُ المساواةَ بين كرامةِ الأهل وأطفالِهِم. وبالتالي لا تكونُ عمليةُ التلقيحِ – التي تتمُّ في أنبوبٍ – نتيجةَ رغبةٍ إيجابيةٍ وثمرةَ الفعلِ الخاصِّ بالزوجَين» (34).
تجميد الأجنّة
18- إنَّ إحدى الوسائلِ المتبعةِ بهدفِ تحسينِ نسبةِ نجاحِ تقنيّاتِ أطفالِ الأنابيب هي زيادةُ عددِ العملياتِ التي تلي التلقيح. فلكي يتحاشى الأخصّائيونَ إعادةَ عمليةِ أخذِ البويضاتِ من المرأةِ مراتٍ عديدةٍ، يقومونَ بأخذِ عددٍ كبيرٍ من البويضاتِ مرةً واحدةً، وبعدَ تلقيحها يضعونَ قسماً من الأجنةِ الناتجةِ عن الإخصابِ الإصطناعي في ثلاجاتٍ تحتَ درجةِ الصفر (35)، وهذا بهدفِ إعادةِ تجربةِ الزرعِ في الرحمِ مرةً ثانيةً في حالِ عدمِ نجاحِ الأولى، أو في حالِ أرادَ الوالدانِ طفلاً آخر. كما يقومونَ في بعض الأحيان أيضاً بتجميدِ الأجنّةِ العتيدةِ أن تُستخدَمَ للزرعِ في المرةِ الأولى، وهذا لأن تحريضَ الدورةِ الشهريةِ عن طريق الهرمونات يسببُ آثاراً جانبيةً، فيُنصَحُ بانتظارِ عودةِ الوضعِ الطبيعيّ للمرأة قبلَ زرعِ الأجنّةِ في الرحم.
إن تجميدَ الأجنّةِ البشريةِ يتعارَضُ مع الاحترامِ الواجبِ لها: فهو يفترضُ انتاجَهم في الأنابيبِ كما يُعرّضُهم بشكلٍ كبيرٍ لخطرِ الموت أو للإيذاء الجسديّ، فمنهم نسبةٌ عاليةٌ تفقدُ الحياةَ بعدَ عمليةِ التجميدِ والإيذاب، بالإضافةِ إلى ذلكَ تَحرِمُ هذه التقنيةُ الأجنّةَ، ولو مؤقّتاً، من قبولُ الأمِّ لهم في حشاها وتجعلهُم في وضعٍ يُعرّضُهم لإهاناتٍ أخرى وللتلاعبِ بمصيرهم. (36)
أما أغلبُ الأجنّةِ التي لا تُستَخدَم فتبقى "يتيمةً"، إذ لا يُطالبُ الوالدانُ بها وغالباً ما يُفقَدُ أثرَهُما. هذا هو سببُ وجودِ مخازنَ لآلافٍ مؤلّفةٍ من الأجنةِ المجمَّدَةِ في تلكَ البُلدانِ التي تَسمحُ بتقنيةِ أطفالِ الأنابيب.
19- وهنا يطرحُ السؤالُ نفسهُ: ماذا يُمكنُ أن نفعلَ بهذا العدد الكبير من الأجنّةِ المتواجدةِ حالياً في الثلاجات؟ يطرحُ البعضُ هذا السؤالَ دونَ التطرُّقِ لجوهرهِ الأخلاقيّ، فهمُّهُم الوحيد هو طاعةُ القانونِ المدنيّ الذي يُجبِرُهم على إفراغ الثلاجاتِ هذه من مُحتواها بعدَ مرورِ فترةٍ من الزمنِ، ليتمَّ تعبئتُها من جديدٍ. أما البعضُ الآخرُ فيعي بأنه قد ارتُكِبَ جرمٌ فظيعٌ بحقِّ هذه الأجنّةِ ويتساءلون عن كيفيّةِ التعويضِ عن الأذى الذي لحقَ بهم.
لا يمكنُ طبعاً قبولُ الاقتراحِ القائلِ باستعمالِ هذهِ الأجنّةِ في الأبحاثِ العلميّةِ أو لأهدافٍ علاجيّةٍ، لأنه اقتراحٌ يقضي بإعتبارِ الأجنّةِ مجرّد "موادٍ بيولوجية" وينتهونَ بقتلها. ولا يمكنُ حتى قبولُ اقتراحِ من يُطالِبُ بإيذابِ هذه الأجنّةِ دون إعادةِ تنشيطها، كي تُستخدَمَ كجثثٍ عاديةٍ لأهدافِ البحثِ العلميّ. كما أنه أخلاقياً لا يمكنُ قبولُ اقتراحِ وضعِهم تحتَ تصرُّفِ أزواجٍ عقيمين كحلٍّ "لعلاجِ العقم"، وذلك لنفسِ الأسبابِ التي تمنعُ الإخصابَ الإصطناعيّ غير المتجانس وجميعَ أنواعِ الأمومةِ البديلةِ؛ (38) فهذا يُسبِّبُ مشاكلَ أخرى ذاتَ طابعٍ طبيّ ونفسيّ وقانوني.
قد اقترحَ البعضُ – بهدفِ منحِ هذه الكائناتِ البشريةِ المُهددةِ بالموت فرصةَ حياةٍ – شكلاً من أشكالِ "التبنّي قبل الولادة". ومع أنهُ اقتراحٌ يستحقُّ المديحَ بسببِ نيّتِهِ في احترامِ الحياةِ البشريةِ والدفاعِ عنها، فهو لا يخلو من مشاكلَ عديدةٍ لا تختلفُ كثيراً عن تلكَ التي ذكرناها سابقاً.
علينا أن نعي، في النهاية، بأن وجودَ آلافٍ من الأجنّةِ المتروكةِ هي في الحقيقةِ حالةُ ظُلمٍ لا يُمكنُ التعويضَ عنه. لهذا قد ناشدَ البابا يوحنا بولس الثاني «ضمائرَ مسؤولي عالَمِ الأبحاثِ العلميّةِ، وبشكلٍ خاصٍّ الأطباءَ منهم، ليتمَّ إيقافُ انتاجِ الأجنّةِ البشريةِ، مُدركينَ أنه ليسَت أمامنا طريقةٌ جائزةٌ أخلاقياً لحلِّ مصيرِ الآلافِ من الأجنّةِ البشريةِ "المُجمّدةِ"، التي تتمتّعُ بالحقوقِ الأساسيةِ وبالتالي يجبُ حمايتُها قانونياً كأشخاصٍ بشريةٍ» (39)
تجميدُ البويضات
20- لتلافي المشاكلِ الأخلاقيةِ الخطيرةِ الناجمةِ عن تجميدِ الأجنّةِ، قد اقترَحَ بعضُ العاملينَ في مجالِ تقنياتِ الإخصاب في المُختبر تجميدَ البويضات. (40) فبعدَ أن يؤخذَ العددُ المناسبُ من البويضات العتيدةِ أن تُخصَّب اصطناعياً على دفعاتٍ متعددةٍ، لا يقومونَ بتخصيبِ إلا تلكَ البويضاتِ التي سينقلونها إلى رحم الأم، أما الباقية فيتمُّ تجميدها بهدف تخصيبها فيما بعد إن لزمَ الأمرُ ذلك، وبالتالي زرعها في الرحم في حالِ عدم نجاحِ التجربةِ السابقة. وهنا تحديداً نقولُ بأنَّ تجميدَ البويضاتِ بهدفِ استخدامها في الإخصابِ الإصطناعيّ هو أمرٌ غيرُ مقبول أخلاقياً.
تقليصُ عددِ الأجنّة
21- سبَّبَت بعضُ تقنياتِ الإخصابِ الإصطناعي، وخاصةً عمليةُ نقلِ أكثرِ من جنينٍ إلى رحمِ الأم، تزايُداً كبيراً في نسبةِ حدوثِ الحملِ بأكثرِ من طفل. لذا بَرَزَت فكرةُ تقليصِ عددِ الأجنّةِ، وذلك عبرَ التدخُّلِ المباشرِ لتقليلِ عددِ الأجنةِ المتواجدةِ في رحمِ الأمِّ عن طريقِ إجهاضِها المُباشَر. إنَّ الرغبةَ في إجهاضِ كائناتٍ بشريةٍ بعدَ الرغبةِ العارمةِ في الحصولِ عليها لَتناقُضٌ صارخٌ، غالباً ما يؤدّي للألمِ ولشعورٍ بالذَنْبِ يستمرُّ لسنينَ طويلة.
أما من وجهةِ النظرِ الأخلاقيةِ، فتقليصُ عددِ الأجنّةِ هو إجهاضٌ مقصودٌ واصطفائيّ. لأنه يتمُّ نتيجةَ قرارٍ حرٍّ بطرحٍ مباشرٍ لكائناتٍ بشريّةٍ بريئةٍ، في مرحلةٍ مبكرةٍ من حياتِها، ولذلكَ فهو اضطرابٌ أَخلاقيٌّ فَظيع. (41)
أما الحججُ المُقتَرَحةُ لتَبريرِ عمليةِ تقليصِ عدَدِ الأجنّةِ فتعتَمدُ على تشبيهِ الأمرِ بالنكباتِ الطبيعيةِ أو بالحالاتِ الطارئةِ التي لا تسمحُ بنجاةِ جميعِ الأشخاصِ المَعنيين، بالرغمِ من النيةِ الصالحةِ بإنقاذهم. لكن لا يُمكنُ لهذه التشابيهِ على الإطلاقِ أنْ تُشكلَ حُكماً أخلاقياً إيجابياً لعمليةِ إجهاضٍ مُباشَر. وأحياناً يتذرّعُ البعضُ الآخرُ بمبادئٍ أخلاقيةٍ، كمبدإِ الشرِّ الأصغرِ أو مبدإِ ازدواجيةِ الأَثَرِ، التي لا يُمكنُ تطبيقُها في هذه الحالة. إذ لا يُمكنُ السماحُ أبداً بإعتمادِ عملٍ غيرِ جائزٍ في جوهرِهِ، ولا حتى في سبيلِ تحقيقِ غايةٍ صالحةٍ: فالغايةُ لا تُبرر الوسيلة.
التشخيص قبلَ الزرع
22- التشخيصُ قبلَ الزرعِ هو شكلٌ من أشكالِ التشخيصِ الجنينيّ، المُرتبِط بتقنياتِ الإخصابِ الإصطناعيّ والذي يقومُ على تشخيصِ مُوَرّثاتِ الأجنّةِ المُشكَّلةِ في الأنابيب، قبل نقلِها إلى رحمِ الأم. وهو يُقامُ بهدفِ التأكّدِ من زرعِ الأجنّةِ الخاليةِ من العيوب أو اختيارِ جنسِ الطفلِ أو بعضِ ميزاتِهِ الخاصةِ المرغوبِ فيها.
وعلى خلافِ ما يجري في أشكالٍ أخرى من التشخيصِ الجنينيّ، حيثُ تكونُ مرحلةُ التشخيصِ منفصلةً عن إمكانيةِ طرحِ الجنينِ، والتي يتمتّعُ فيها الزوجانِ بالحريةِ التامةِ لقبولِ الطفلِ المريضِ، غالباً ما يتبعُ عمليةَ "التشخيص قبل الزرع" طرحُ الجنينِ "المشكوكِ" بحملِهِ لعيوبٍ مورثيةٍ أو صبغيّةٍ، أو في حالِ كانَ جنسُهُ أو إحدى ميّزاتِهِ غيرَ مرغوب فيها. إنَّ التشخيصَ قبل الزرع – المُرتبطَ بالإخصابِ الإصطناعي، الذي هو بحدِّ ذاتِهِ غيرُ جائزٍ في جوهره – يهدفُ إلى انتقاءٍ نوعيٍّ وبالتالي إلى قتلِ الأجنّةِ، وهي بالنتيجةِ عمليةُ إجهاضٍ مُبكر. فالتشخيصُ قبلَ الزرعِ تعبيرٌ عن عقليةٍ ترغبُ في تحسينِ النسلِ، وهي «تقبلُ بالإجهاضِ الإنتقائيّ لتمنعَ ولادةَ أطفالٍ مُصابينَ بمختلفِ أنواعِ الإضطرابات. هذه العقليةُ تسيءُ إلى الكرامةِ الإنسانيةِ وهي ذميمةٌ إلى أقصى الحدود، لأنّها تَدَّعي قياسَ قيمةِ الحياةِ البشريةِ من خلالِ مقاييسِ السلامةِ والصحةِ الجسديةِ، وتفتحُ بذلكَ باباً لقتلِ الأطفال وللموتِ الرحيم». (42)
فالتعاملُ مع الجنينِ البشريّ كمجرّدِ "موادٍ مخبريةٍ" يعني إفسادَ مفهومِ الكرامةِ الإنسانيةِ وتطبيقها حسبَ تمييزٍ عنصريّ. أما الكرامةُ فتخصُّ كلَّ فردٍ بشريٍّ بشكلٍ متساوٍ ولا تعتمدُ على مشروعِ الوالدَين أو على الوضعِ الإجتماعي أو على التنشئةِ الثقافيةِ أو على النموِّ الجسديّ. وإن حصلَت في أزمنةٍ سابقةٍ عملياتُ تمييزٍ عُنصري بسبب السلالةِ أو الدينِ أو الوضعِ الإجتماعي، بالرغمِ من الإعتراف عموماً بمفهومِ الكرامةِ الإنسانيةِ ومتطلّباتها، فنحنُ اليومَ أمامَ تمييزٍ عُنصريٍّ ليس أقلَ خطورةً أو ظُلماً، وهو يؤدّي لعدمِ الاعترافِ بالقانونِ الأخلاقيّ وبحقوقِ كائناتٍ بشريةٍ مُصابةٍ بأمراضٍ خطيرةٍ وبإعاقاتٍ: هكذا يُتناسى أنَّ الأشخاصَ المريضينَ والمُعاقينَ لا يُشكّلونَ صنفاً مُختلفاً من البشرِ، لأن المَرَضَ والإعاقةَ أمورٌ مرتبطةٌ بالوضعِ البشريِّ وتَسِمُنا جميعاً بشكلٍ شخصيّ، حتى عندما لا نختبرُها مباشرة. هذا التمييزُ العنصريُّ مخالفٌ للأخلاقِ ولذا يجبُ رفضهُ من الناحيةِ القانونيةِ، كما يجبُ هدمُ الحواجزِ الثقافيةِ والإقتصاديةِ والإجتماعيةِ التي تُهدِّدُ الإعترافَ الكاملَ بالأشخاصِ المُعاقينَ والمريضينَ وحمايتَهم.
أشكالٌ جديدةٌ لعوائقِ الحملِ ومُضادّاتِهِ
23- بالإضافةِ للوسائلِ المعروفةِ بموانِعِ الحملِ، أي تلكَ التي تمنعُ الحملَ بعدَ الممارسةِ الجنسيةِ، هناكَ وسائلٌ تقنيةٌ أخرى تفعلُ فِعلها بعدَ عمليةِ الإخصابِ، أي بعدَ تَشَكُّلِ الجنينِ، أكانَ قَبل تعشيشِه في الرحمِ أم بعدَه. وهي تقنياتٌ تُدعى بعوائق الحمل عندما تعترضُ سبيلَ الجنينِ قبل تعشيشِهِ في رحِمِ الأم، وبمُضادّاتِ الحملِ عندما تُسبِّب طرحَ الجنينِ بعدَ تعشيشِه.
وفي سبيلِ تعزيزِ نشرِ عوائِقِ الحملِ (43) يُؤكدُ البعضُ أنَّ طريقةَ عملِهم غيرُ معروفةٍ بشكلٍ كافٍ. إنه لأمرٌ صحيحٌ أنه لا يُمكنُ معرفةُ طريقةِ عملِ الأدويةِ المُستعملةِ دائماً بشكلٍ كاملٍ، إلا أنَّ الدراساتِ المُجراةَ قد برهنَت أنَّ مَفعولَ إعاقةِ التعشيشِ أكيدٌ، حتى لو كانَ هذا لا يَعني بأنَّ عوائِقَ الحملِ تُسببُ الإجهاضَ لدى كلِّ استعمالٍ لها، وذلك أيضاً لأنه ليسَ من الضروري أن يتمَّ الإخصابُ في كلِّ مرةٍ بعدَ المُمارسةِ الجنسية. مع ذلكَ علينا أن نُذكِّرَ بأن مَن يُريدُ إعاقةَ تعشيشِ الجنينِ في حالِ وجودِهِ، وبالتالي يطلُبُ هذه الأدويةَ أو يصفُها، ينوي عموماً في صميمِهِ الإجهاض.
عندَ ملاحظةِ تأخُّرِ الطمثِ يُلجأ إلى مُضادّاتِ الحمْلِ، (44) التي تُؤخَذُ عادةً في غُضونِ أسبوعٍ أو أسبوعَينِ بعدَ مُلاحظةِ التأخير. وبينما يكونُ الهدفُ المُعلَن هو إعادةُ ظهورِ الطَمثِ، إلا أنَّ الحقيقةَ هي أنها عمليةُ إجهاضِ جنينٍ بُعَيدَ تعشيشِه.
وكما نعرفُ فالإجهاضُ «قتلٌ مُتعمَّدٌ ومُباشرٌ، أياً كانت طريقةُ تنفيذِهِ، لكائنٍ بشريٍّ في مرحلةِ وجودِهِ الأولى، أي بينَ الحبَلِ به وولادتِهِ». (45) لهذا فإنَّ استعمالَ عوائقِ الحملِ ومُضادّاتِهِ يدخُلُ في نطاقِ خطيئةِ الإجهاضِ وهو حتمياً ضدَّ الأخلاقِ. زِدْ على ذلك أنهُ في حالِ التأكيدِ على حدوثِ الإجهاضِ هناكَ عواقبُ جزائيةٌ خطيرةٌ ينصُّ عليها الحقُّ القانوني. (46)
القسم الثالث
اقتراحات علاجية جديدة
تؤدّي إلى التلاعب بالجنين أو بالمورّثات البشرية
24- لقد فتحت المعارفُ الجديدةُ التي تمَّ التوصُّلُ إليها في السنواتِ الأخيرةِ آفاقاً جديدةً أمامَ الطبِّ الترميميّ وعلاجِ الأمراضِ الوراثية. وقد لَقيَت بشكلٍ خاصٍّ اهتماماً كبيراً الأبحاثُ المتعلقةُ بالخلايا الجذعيةِ الجنينيةِ وتطبيقاتِها العلاجيةِ المُحتمَلةِ، التي لَم تُظهر حتى اليوم نتائجَ فعّالةً، خِلافاً للأبحاث المتعلقة بالخلايا الجذعيةِ لدى البالغين. وبما أنَّ البعضَ قد اعتبرَ الآمالَ العلاجيةَ التي يُرجى التوصُّلُ إليها بواسطةِ الخلايا الجذعيةِ الجنينيةِ مُبرّراً لأشكالٍ عديدةٍ من التلاعُبِ بالأجنَّةِ البشريةِ وبقتلِها، قد برزَت العديدُ مِن المسائِلِ في مجالِ العلاجِ المُورّثي والإستنساخِ واستعمالِ الخلايا الجذعيةِ، التي تحتاجُ لتقييمٍ أخلاقيٍّ دقيق.
العلاج المُورّثي
25- تُطلق عبارةُ العلاجِ المورّثي عادةً على تقنياتِ الهندسةِ الوراثيةِ المُطبَّقةِ على الإنسانِ لأهدافٍ علاجيةٍ، أي في سبيلِ علاجِ أمراضٍ سببُها وراثيٌّ، مع أنهُ هناكَ تجاربَ حديثةً تودُّ تطبيقَ العلاجِ المُورّثي على الأمراضِ غير الوراثيةِ، وخصوصاً في علاجِ مرضِ السرطان.
نظرياً يمكنُ تطبيق العلاج المُورّثي على مستويَين: في الخلايا الجسميةِ وفي الخلايا الجنسيةِ. يرمي العلاجُ بالمورّثات الخلويةِ الجسميةِ إلى إلغاءِ أو تقليلِ الخللِ الوراثي الموجودِ في الخلايا الجِسمية، أي في الخلايا اللاتَكاثريّة، التي تُشكّلُ نسيجَ الجسمِ وأعضاءَهُ. في هذه الحالة تُجرى عملياتٌ في حيِّز تجمُّعاتٍ خلويةٍ مُحددةٍ لها تأثيراتٌ لا تتعدّى حدودَ الفردِ الواحد. أما العلاجُ على الخلايا الجنسيةِ فيرمي لتصحيحِ العيوبِ الصبغيةِ الموجودةِ في الخلايا الجنسيةِ بهدفِ نقلِ الآثارِ العلاجيةِ مِن الفردِ إلى نسلِهِ في المستقبل. يُمكن إجراءُ عملياتِ العلاجِ المُورّثي هذه أكانت في الخلايا الجسميةِ أم الجنسيةِ على الجنينِ قبل ولادتِهِ – وهذا ما يُدعى بالعلاجِ المُورّثي في الرحم – أو بعدَ الولادةِ في مرحلة الطفولةِ أو البلوغ.
26- على التقييم الأخلاقي أن يضعَ في اعتباره التمييزَ بين حالتين: فالعمليات على الخلايا الجسمية، الرامية حصراً لأهدافٍ علاجية هي عموماً جائزة أخلاقياً. فالقصدُ من هذه العمليات هو إعادةُ أشكالِ المريضِ الصبغيةِ إلى وضعِها الطبيعي أو إصلاحُ الأضرارِ الناتجةِ عن إضطراباتٍ صبغيةٍ أو عن أمراضٍ متعلقةٍ بها. وبما أنَّ العلاجَ المُورّثي يمكنُ أن يُعرِّضَ المريضَ لمخاطرَ مهمّةٍ، يجبُ اتباعُ مبدإِ أخلاقياتِ المهنةِ العامِّ والقائلِ بأنه في حالِ إجراءِ أي عملٍ علاجيٍّ يجبُ التأكيدُ مُسبقاً على عدمِ تعريضِ صحةِ المريضِ أو سلامتِهِ الجسديةِ لمخاطرَ مبالغٍ بها أو غير متناسبةٍ مع خطورةِ المرضِ الذي يُراد علاجُهُ. ومن المطلوبِ أيضاً موافقةُ المريضِ الخطّيةِ أو أحّدِ مُمثّليهِ القانونيين.
أما التقييمُ الأخلاقيُّ الخاصُّ بالعلاجِ المورّثي على الخلايا الجنسيةِ فمختلف. فأيُّ تغييرٍ صبغيٍّ على الخلايا الجنسيةِ لأحدهم سينتقلُ حتماً إلى نسلِهِ المُستقبليّ. وبما أنَّ لأيِّ تلاعبٍ مورّثي مخاطرَهُ الجسيمةَ التي لَسنا بعدُ قادرين على السيطرةِ عليها تماماً، ومع اعتبارِ حالةِ الأبحاثِ الراهنةِ، نؤكّد أنه مِن غيرِ الجائزِ أخلاقياً التصرُفَ بشكلٍ يجعلُ المخاطرَ المُحتملةَ الناتجةَ عن العلاجِ تنتقلُ إلى نسلِ الفَرد. أما تطبيقُ العلاجِ المورّثي على الجنينِ فيفترضُ إجراءَهُ في سياقِ تقنيةِ الإخصابِ في المُختبر، وبالتالي يتعارضُ مع جميعِ المبادئ الأخلاقيةِ المُتعلقةِ بهذه العملية. لهذه الأسباب علينا أن نؤكّد بأن العلاج المورّثي على الخلايا الجنسية، في الحالةِ الراهنةِ، بجميعِ أشكالِهِ غيرُ جائزٍ أخلاقياً.
27- هناكَ أمرٌ آخرٌ يستحقُّ أن نتمعّن فيهِ على حِدة، ألا وهو النظريةُ التي تطمحُ لتطبيقاتٍ للهندسةِ الوراثية تختلفُ عن تطبيقاتِها العلاجية. فقد تصوَّرَ البعضُ إمكانيةَ استعمالِ تقنياتِ الهندسةِ الوراثيةِ للقيامِ بتلاعباتٍ تدّعي تحسينَ الصفات الوراثية وتقويتها. ويتجلّى في بعضِ هذه الإقتراحاتِ شيءٌ من عدمِ الرضى أو حتى رفضُ قيمةِ الإنسانِ كخليقةٍ وكشخصٍ محدود. في الواقع، عدا عن المصاعبِ التقنيةِ التي تعترضُ سبيلَ تحقيقِ هذا الأمر، وعدا عن المخاطرِ الحقيقيةِ والإفتراضيةِ المُرتبطةِ بها، تُغذّي هذه التلاعبات عقليةَ تحسينِ النسلِ وتُدخِلُ بشكلٍ غير مباشرٍ نظرةً اجتماعيةً سلبيةً تجاهَ كلِّ مَن لا يملكُ بعضَ الصفات المُحدَّدَةِ، كما تُضخِّمُ أهميةَ صفاتٍ مُثمَّنةٍ في بعضِ الثقافاتِ والمجتمعاتِ، والتي لا تُشكّلُ في ذاتِها خصوصيةَ الإنسان. وهذا يُعارض الحقيقةَ الأساسيةَ القائلةَ بالمساواةِ بين جميعِ البشرِ، والتي تُترجم في مبدإِ العدلِ، الذي إذا ما انتُهِكَ لفترةٍ طويلةٍ يُعرِّضُ التعايُشَ السلميَّ بين الأفرادِ للخطر. عدا ذلك، علينا أن نتساءَلَ: مَن هو المؤهَّل لتَحديدِ التغييراتِ التي يجبُ اعتبارها إيجابيةً أم لا، أو ما هي حدودُ الطلباتِ الشخصيةِ لهذا التحسينِ المُفترضِ، بما أنّهُ لَن يكونَ مِنَ المُمكنِ عَملياً تلبيةَ رغباتِ كلِّ فرد. إنَّ أيَّ جوابٍ مُحتملٍ على هذه الأسئلةِ لا يتأتّى إلا مِن مِعياراتٍ اعتباطيةٍ وظنينيّة. كلُّ هذا يَجعلُنا نستنتجُ بأنَّ آفاقَ هذه العمليةِ ستجلِبُ عاجلاً أم آجلاً الضررَ على الخيرِ العامِّ، وستدعَمُ تفوُّقَ إرادةِ البعضِ على حُريةِ الآخرين. وأخيراً علينا أن ننبّه أنَّ محاولةَ خلقِ نَمَطٍ جديدٍ مِنَ البشرِ تقومُ على أيديولوجيةٍ تبتغي وضعَ الإنسانِ مكانَ الخالق.
وفيما تؤكّدُ على السلبيةِ الأخلاقيةِ لهذه العمليةِ التي تحوي سيطرةً ظالمةً للإنسانِ على أخيهِ الإنسان، تُذكِّرُ الكنيسةُ بضرورةِ العودةِ إلى رعايةِ الأشخاصِ وتنشئتِهم على قبولِ الحياةِ البشريةِ بمَحدوديّتِها التاريخية.
الإستنساخ البشري
28- يُقصَد بالإستنساخِ التكاثرُ اللاجنسيُّ والإنقساميُّ لمُجمَلِ الأعضاءِ البشريةِ، بهدف إنتاجِ "نسخةٍ" أو أكثرَ تُماثِلُ تماماً في صِبغيّاتِها الفَردَ الوالِد. (47)
وللإستنساخِ هدفان: الأولُ تَكاثُريّ، أي الحصولُ على طفلٍ مُستنسَخٍ، والثاني عِلاجيّ أو لأجلِ الأبحاثِ العلمية. أما الإستنساخُ التكاثريّ فيهدِفُ نَظرياً إلى تحقيقِ بعضِ المتطلّباتِ، كالتحكمِ في التطوّرِ البشريّ على سبيلِ المِثالِ؛ أو الإنتقاءِ البشريّ لبعضِ الذين يحملونَ صفاتٍ معيّنةً؛ أو تحديدِ جنسِ الطفلِ مُسبَقاً؛ أو إنتاجِ طفلٍ كـ "نسخةٍ" عن آخر؛ أو إنتاجِ طفلٍ لزوجَين مُصابَين بأشكالٍ منَ العقمِ لا يُمكن علاجُها. أما الإستنساخُ العِلاجيّ فقد اقتُرحَ كأداةٍ لإنتاجِ خلايا جذعيّةٍ جنينيّةٍ، تحملُ صفاتٍ مُحدّدةً، وذلكَ بهدفِ تَفادي مشكلةِ عدمِ التلاؤمِ النسيجي؛ وهو بذلك يرتبطُ مع موضوعِ استخدامِ الخلايا الجذعية.
لقد أثارَت تجاربُ الإستنساخِ قلقاً كبيراً في أرجاءِ العالم. وقد عبَّرت منظّماتٌ محليّةٌ ودوليةٌ عن رفضِها للإستنساخِ البشري وهو أمرٌ محظورٌ في أغلبِ البلدان.
إن الإستنساخَ البشريَّ لأمرٌ غيرُ جائزٍ في جوهرِهِ، من حيثُ أنَّهُ لا يتوانى عن الوصولِ بتقنياتِ الإخصابِ الإصطناعي إلى أقصى دَرَجاتِهِ اللاأخلاقيةِ، وذلك لأنه يهدِفُ إلى انتاجٍ إنسانٍ دونَ أيِّ ارتباطٍ بفِعلِ العَطاءِ المُتبادَل بينَ الزوجَين، وأكثرَ من ذلكَ فهو يُجرّدُهُ من أي علاقةٍ بالبُعدِ الجنسيّ، مما يُسببُ فرصةً لتعدّياتٍ وتلاعُباتٍ تؤذي بشدةٍ الكرامةَ الإنسانية. (48)
29- وفي حالِ كانَ الإستنساخُ يَهدفُ إلى التكاثرِ، ستكونُ النتيجةُ أن يُفرَضَ على الفردِ المَنسوخِ إرثٌ صبغيٌّ سابقُ التحديدِ، ووضعُهُ – كما أُثبِتَ عَملياً – في حالةِ عبوديةٍ بيولوجيةٍ، مِن الصعبِ لهُ التحرُّرُ منها. فأَن يَنسِبَ شخصٌ لنفسِهِ الحقَّ الإعتباطيَّ في تحديدِ الصفاتِ الصبغيةِ لشخصٍ آخر، لأمرٌ يُهينُ بشدةٍ كرامةَ هذا الأخير ويُخالفُ المساواة الأساسيةَ بين البشر.
ففرادةُ كلِّ شخصٍ تتأتى عن علاقتِهِ الخاصةِ مع اللهِ منذُ اللحظةِ الأولى لوجودِهِ، وهذا يُجبرنا على احترامِ خصوصيّتِهِ وسلامتِهِ، بما فيها تلك البيولوجية والصبغيّة. كلُّ واحدٍ منّا يلتقي في الآخرِ إنساناً يَدينُ بوجودِهِ وبصفاتِهِ الخاصةِ لمحبةِ اللهِ، التي تصلُهُ عبرَ الوسيلةِ الوحيدةِ المُطابقةِ لخطةِ الخالقِ والآبِ السماوي، أي الحبُّ بينَ الزَوجَين.
30- أما الإستنساخُ الذي يُوصَفُ بالعلاجيّ فهوَ أخطرُ من الناحيةِ الأخلاقيةِ. فإنتاجُ أجنَّةٍ بهدفِ قتلها، حتى لو كان هذا بقصدِ مساعدةِ المرضى، لأمرٌ يخالفُ تماماً الكرامةَ البشريةَ، لأنه يجعلُ من حياةِ إنسانٍ، ولو كان ما يزالُ في المرحلةِ الجنينيّةِ، مجرّدَ أداةٍ تُستخدَمُ وتُهدَم. إنَّ التضحيةَ بحياةٍ بشريةٍ في سبيلِ العلاجِ لأمرٌ يخالفُ الأخلاق بشدةٍ.
لقد دَفَعَت الإعتراضاتُ الأخلاقيةُ، التي طرحَتها جهاتٌ متعدّدةٌ ضدَّ الإستنساخِ العلاجيّ وضدَّ استخدامِ الأجنةِ البشريةِ المُشكّلةِ في الأنابيب، بعضَ العلماءِ لإقتراحِ تقنياتٍ جديدةٍ يعرضونَها على أنها قادرةٌ على انتاجِ خلايا جذعيةٍ جنينيّةٍ دونَ قتلِ أجنّةٍ بشريةٍ حقيقيةٍ. (49) لقد أثارَتْ هذه الإقتراحاتُ عدةَ تساؤلاتٍ علميةٍ وأخلاقيةٍ، تتعلقُ قبلَ كلِّ شيءٍ بالطبيعةِ الكيانيّةِ للـ"مُنتَج" الذي يحصلونَ عليه بواسطةِ هذه التقنيات. إلى أن تتوضحَ هذهِ الشكوكُ، علينا أن نعودَ لما تؤكّدُهُ الرسالةُ العامةُ "انجيل الحياة": «الرهانُ هو مِن الأهميةِ بحيثُ يكفي، مِن وجهةِ الإلزامِ الأدبي، أن يكونَ هناكَ مُجرّدُ احتمالِ وجودِ كائنٍ بشريٍّ لتبريرِ أقصى الامتناعِ عن كلِّ تدخّلٍ يُفضي إلى قتلِ الجنينِ البشري». (50)
استعمال الخلايا الجذعية في العلاج
31- الخلايا الجذعية هي خلايا غير مُتخصّصة، تملكُ صفتَين أساسيّتَين: أ) القدرة على التكاثر المُستمر دونَ التخصُّص؛ ب) القدرة على انتاج خلايا سَلَفيّة انتقالية، تتوالدُ عنها خلايا عاليةُ التخصُّصِ، كالخلايا العصبيةِ والعضليةِ والدموية.
لقد أُثبِتَ تجريبياً أن الخلايا الجذعيةَ تسعى، إذا ما زُرعَت في نسيجٍ تالفٍ، للمساعدةِ في إعادةِ إعمارِهِ بالخلايا وبالتالي إعادةِ ترميمِهِ، هكذا قد انفتحت أمامَ الطبِّ الترميميّ آفاقٌ جديدةٌ جذبَت إليها اهتماماً كبيراً بينَ الباحثينَ في جميعِ أرجاءِ العالم.
أما مصادرُ الخلايا الجذعيةِ التي اكتُشفت في الإنسانِ حتى الآن هي: الجنينُ في مراحلِ تطوُّرِهِ الأولى والمتأخِّرة، دمُ الحبل السُّرّي، نسُجٌ متعدّدةٌ للشخصِ البالغِ (النخاع العظمي، الحبل السُّرّي، الدماغ، النسيج المتوسط بين الطبقتين المَصْلية والبُطانية لأعضاءٍ عديدة، إلخ) والسائلُ الأمنيوسي. تركّزَت الدراسات بدايةً حول الخلايا الجذعيةِ الجنينيةِ، فقد سادَ الرأي القائلُ بأنها الوحيدةُ القادرةُ بشكلٍ كبيرٍ على التكاثرِ والتخصُّص. لكن هناكَ دراساتٌ عديدةٌ تُبرهنُ على قدرةِ الخلايا الجذعيةِ البالغةِ في هذا المجال. حتى لو كانَت هذه الخلايا، لا تملكُ كما يبدو ذاتَ القدرةِ على التجدُّدِ وذاتَ المرونةِ التي تملكُها الخلايا الجنينية، فإنَّ دراساتٍ وتجاربَ على مستوى عمليٍّ عالٍ ترى نتائجَ استخدامَها أكثرَ إيجابيةً بالمقارنةِ مع الخلايا الجنينية. تقومُ حالياً المناهجُ العلاجيُّةُ المُستخدَمَةُ على استعمالِ خلايا جذعيةٍ بالغةٍ، وقد بدأت أبحاثٌ كثيرةٌ في هذا المجال تفتحُ آفاقاً جديدةً وواعدة.
32- لأجلِ التقييمِ الأخلاقيّ لهذه العمليةِ علينا أن نعتبرَ أمرين: الطرقُ المستخدَمةُ في أخذِ خزعاتِ الخلايا الجذعيةِ والمَخاطرُ السريريةُ والمخبريةُ الناتجةُ عنها.
علينا أن نُقيِّمَ الطرقَ المُستخدمةَ في الحصولِ على الخلايا الجذعيةِ بالعلاقة مع مصدَرِها. فالطرقُ التي لا تُسببُ أذى شديداً للفردِ الذي تُؤخذُ منهُ الخلايا تُعتبرُ جائزة. يتحققُ هذا الشرطُ عادةً في حالِ أخذ الخزعات:
أ) من أنسجةِ عضوٍ بالغٍ؛ 2) من دمِ الحبلِ السُّري في لحظةِ الولادةِ؛ ج) من أنسجةِ أجنّةٍ ميّتةٍ نتيجةَ وفاةٍ طبيعية.
أما أخذُ الخلايا الجذعيةِ مِنَ الجنينِ البشريّ الحيّ فيُسببُ قتلهُ لا محالة، وبالتالي فهو غيرُ جائزٍ إطلاقاً. ففي هذه الحالِ «وبغضِّ النظرِ عن النتائجِ العلاجيةِ المُفيدةِ، لا تكونُ الأبحاثُ في خدمةِ البشريةِ حقاً. لأنها تفترضُ إنهاءَ حيواتٍ بشريةٍ تتمتّعُ بالكرامةِ نفسِها بالنسبةِ لبقيةِ البشرِ وبالنسبةِ للباحثينَ أنفسِهم. التاريخُ نفسُهُ قد أدانَ وسوفَ يُدينُ هذا النوعَ من العلمِ، ليس فقط لأنهُ يَخلو مِن نورِ الله، بل لأنه يَخلو أيضاً من الإنسانيةِ». (51)
أما استخدامُ خلايا جذعيةٍ جنينيةٍ، أو خلايا مُتخصّصةٍ ناتجةٍ عنها، قد قامَ بإنتاجها باحثون آخرون عن طريقِ قتلهم الأجنة أو تَّم الحصولُ عليها في السوقِ، فيُسببُ مشاكلَ من حيثُ التعاونُ في الشرِّ وفي العَثَرَة. (52)
ليست هناكَ اعتراضاتٌ أخلاقيةٌ على الإستخدامِ السريريّ للخلايا الجذعيةِ الناتجةِ بطرقٍ شرعيةٍ. لكن يجبُ مراعاةُ المعاييرَ العامةَ لأخلاقياتِ الطب. فيجبُ التعاملُ معها بدقةٍ وحذرٍ، وذلك بتقليلِ المخاطرِ المُحتملةِ التي تنتجُ عنها إلى أقصى الحدود، وبتسهيلِ التشاورِ بين العلماءِ وبتقديمِ معلوماتٍ كاملةٍ لعامّةِ الناس.
يجبُ تشجيعُ العملِ في الأبحاثِ المتعلقةِ بإستخدامِ الخلايا الجذعيةِ البالغةِ ودَعمُها، وذلك لأنها لا تُسبِّبُ أي مشاكلٍ أخلاقية. (53)
تجارب التهجين
33- لقد قامَ العُلماءُ حديثاً بإستخدامِ بويضاتِ حيواناتٍ بهدفِ إعادةِ برمجةِ أنويةِ الخلايا الجسميةِ البشريةِ – عادةً ما تسمى هذه العملية بالإستنساخ المُهجَّن – وذلك بهدفِ استخراجِ خلايا جذعيةٍ جنينيةٍ من الأجنةِ الناتجةِ، دونَ الحاجةِ لإستخدامِ بويضاتٍ بشرية.
تُشكلُ هذه العملياتُ، من وجهةِ النظرِ الأخلاقيةِ، إهانةً لكرامةِ الإنسانِ، بسببِ اختلاطِ عناصرَ صبغيةٍ بشريةٍ وحيوانيةٍ قادرةٍ على تشويشِ هويةِ الإنسانِ الخاصة. كما أنَّ الإستخدامَ المُحتمَلَ للخلايا الجذعيةِ المُستَخرجةِ من هذه الأجنّةِ يحوي مخاطرَ صحيةً إضافيةً، مازِلنا نجهلها تماماً، بسببِ وجودِ عناصرَ صبغيةٍ حيوانيةٍ في السيتوبلاسما. فلا أخلاقياتُ الطبِّ ولا المبادئُ الأخلاقيةُ تقبلُ تعريضَ إنسانٍ، عن وعي كاملٍ، لمخاطرَ كهذه.
استخدام «مواد بيولوجية» بشرية ذات أصلٍ غيرِ جائز
34- تُستَعمَل أحياناً، لأغراض البحث العلمي ولإنتاج لقاحاتٍ أو موادٍ أُخرى، بعضُ العناصرِ الخَلَويةِ المُستخرجَةِ بطرقٍ غير جائزةٍ تتعارضُ مع حياةِ الإنسانِ أو سلامتهِ الجسدية. ويمكنُ أن تكونَ العلاقةُ بينَ المُستَخدمينَ ومُرتكبي العملِ غير المشروعِ مباشرةً أو غير مباشرة، وذلك لأنَّ هذا النوعُ من الخلايا يُنتَج عموماً بسهولةٍ وبكثرة. وأحياناً تُباعُ هذه "الموادُ" أو تُوزَّعُ مجّاناً على مراكزِ الأبحاثِ مِن قِبَلِ هيئاتٍ حكوميةٍ مُكلَّفةٍ قانونياً بهذه المُهمّة، مما يُسبِّبُ مشاكلَ أخلاقيةً مُتعددةً فيما يتعلّق بالتواطؤ في فعلِ الشرِّ وفي العثرة. لذا فمِنَ المُناسبِ إعلانُ المبادئ العامةِ التي على العاملينَ بضميرٍ صالحٍ أن يَنطلقوا منها ليُقيِّموا الحالاتِ التي ربما يجدونَ أنفسَهم معنيينَ بها خلالِ نَشاطِهم المِهني فيجدوا لها الحلولَ المُناسبة.
علينا أن نُذكِّرَ قبلَ كلِّ شيءٍ بأنَّ رفضَ الإجهاضِ أخلاقياً «يجبُ أن يُطبَّقَ على مُختلفِ العملياتِ الحديثةِ الممارسةِ على الأجنّةِ البشريةِ، التي بالرغمِ من أنها تهدِفُ لغاياتٍ مشروعةٍ في حدِّ ذاتها، إلا أنها تُسبِّبُ قَتلهُم لا مَحال. هذه هي حالُ التجاربِ على الأجنَّةِ التي تتزايدُ بإستمرارٍ في حقلِ الأبحاثِ البيوطبيّة والتي يَسمحُ بها القانونُ في بعضِ البلدان... إنَّ استخدامَ الأجنّةِ البشريةِ في مراحلِ تكوُّنها البدائيةِ أو المتطوّرةِ كأدواتٍ للبحثِ العلميِّ هو جنايةٌ بحقِّ كرامتِهِم ككائناتٍ بشريةٍ، لها الحقُّ في أن تنالَ ذاتَ الإحترامِ الواجبِ تجاهَ الأطفالَ المولودينَ وتجاهَ كلِّ شخصٍ». (54) هكذا يُشكِّلُ هذا النوعُ مِنَ الأبحاثِ على الدوامِ إضطراباً أخلاقيّاً فظيعاً. (55)
35- هناكَ حالة أخرى تجري عندما يستخدمُ باحثونَ "مواداً بيولوجيةً" مُستَخرَجة بطرقٍ غيرِ جائزةٍ خارجَ مراكزِ الأبحاثِ التي يعملونَ فيها أو قَد تمَّ الحصولُ عليها مِن الأسواق. لقد أصدرَ تعليمُ "هبةِ الحياة" مبدأً عامّاً يجبُ تطبيقهُ في هذه الحالات، إذ: «يجبُ احترامُ جُثثِ الأجنَّةِ البشريةِ المُجهَضةِ إرادياً أو لاإرادياً كإحترامِنا لجثمانِ سائرِ الناس. فلا يُمكنُ تشويهُها أو تشريحُها إنْ لَم تتأكّد الوفاةُ ولَم يتم الحصولُ على موافقةِ الأهلِ أو الأم. يجبُ أيضاً مراعاةُ المَطلَب الأخلاقي الذي يقضي بعدَمِ وجودِ أي تواطئٍ في الإجهاضِ وتحاشي التعرُّض للعثرَة». (56)
لهذا السبب لا يُعتَبَرُ مبدأ الإستقلاليةِ الذي طرحَتهُ بعضُ اللجانِ الأخلاقيةِ كافياً، أي المبدأُ القائلُ بأنَّ استخدامَ "موادٍ بيولوجيةٍ" مُستَخرجةٍ بطرقٍ غيرِ جائزةٍ هو أمرٌ جائزٌ أخلاقياً، في حالِ وجودِ تمييزٍ واضحٍ بينَ مَن يُنتِجُ الأجنَّةَ ويَحفظُها بالتبريدِ وبالتالي يقومُ بقتلِها والأخصّائيينَ المُنكبّينَ على تطوُّرِ الأبحاثِ العلميةِ. إنَّ مِعيارَ الإستقلاليةِ هذا غيرُ كافٍ لتفادي التناقضِ بينَ موقفِ مَن يؤكِّدُ عدمَ موافقتِهِ على الظُلمِ المرتَكبِ مِن قِبَلِ آخرينَ ويَقبلُ في ذاتِ الوقتِ استخدامَ "الموادِ البيولوجيةِ" التي يَستخرجُها أولئكَ بطرقٍ ظالمةٍ. عندما تَدعمُ القوانينُ الضابطةُ للأنظمةِ الصحيةِ والعلميةِ ما هو غيرُ جائزٍ، يجبُ الإبتعادُ عن مظاهرِ هذه الأنظمةِ الأثيمةِ، كي لا نُعطي الإنطباعَ بشيءٍ من التَسامُحِ أو القبولِ الصامتِ لأعمالٍ ظالمةٍ وفظيعة. (57) فموقفٌ كهذا يُساهمُ في إزديادِ اللامبالاةِ، إن لَم يَكن في تشجيعِ هذه الأفعالِ التي تقبَلُها بعضُ الدوائرِ الطبيّةِ والسياسية.
يُعتَرَضُ أحياناً على الإعتباراتِ السابقةِ بأنها توجبُ على الباحثينَ ذوي الضميرِ الصالحِ المواجهةَ الفاعلةَ لجميعِ الأفعالِ غيرِ الجائزةِ التي تُمارَس في الحقلِ الطبيِّ، فتزدادُ بذلكَ مسؤوليتُهم الأخلاقيةُ لتصلَ حداً مبالغاً فيه. في الواقع، إنَّ واجبَ هؤلاءِ في تجنُّبِ التواطئ في الشرِّ وفي العثرةِ هو جزءٌ من نشاطِهم المِهني الإعتيادي، الذي عليهم أن يُبَرمجوهُ بأسلوبٍ قويمٍ يشهدونَ بواسطتِهِ عن قيمةِ الحياةِ، وهذا بإعتراضِهم أيضاً على القوانينِ الظالمة. علينا أيضاً أن نؤكِّدَ بأنَّ واجبَ رفضِ تلك "الموادِ البيولوجيةِ" – حتى في حالِ غيابِ أيةِ صلةٍ قريبةٍ تجمعُهم معَ أخصائيي الإخصابِ الإصطناعي أو معَ مُسببي الإجهاضِ – ينبعُ مِن واجبِ تجنُّبِ مجموعةِ التشريعاتِ الظالمةِ وواجبِ تأكيدِ قيمةِ الحياةِ البشريةِ بوضوحٍ، خلالَ القيامِ بنشاطِهم في حقلِ الأبحاثِ العلمية. لذلك فإنَّ معيارَ الإستقلاليةِ المذكورَ سابقاً ضروريٌّ لكنه ربما يكونُ غيرَ كافٍ أخلاقياً.
من الطبيعي أن تكون هناكَ درجاتٌ مختلفةٌ من المسؤوليةِ ضمنَ هذا المشهدِ العام، كما تدفعنا أحياناً بعضُ الأسبابِ الجسيمةِ لتبنّي معاييرٍ أخلاقيةٍ تُبرِّرُ استخدامَ تلك "الموادِ البيولوجية". فعلى سبيلِ المثالِ، يمكنُ في حالةِ تعرُّضِ صحةِ الأطفالِ للخطرِ أن يُسمَحَ للأهلِ بإستعمالِ لقاحاتٍ تدخُلُ في تركيبتِها عناصرُ خلويةٌ مُستخرَجةٌ بطرقٍ غيرِ جائزةٍ، مع المُحافظةِ على واجبِ الجميعِ بالتعبير عن رفضِهم لهذه اللقاحاتِ ومطالبةِ الهيئاتِ الصحيةِ بإصدارِ أنواعٍ أخرى منها. من جهةٍ أخرى علينا التذكيرُ بأنه ضمنَ المؤسساتِ التي تستعملُ عناصرَ خلويةً مستخرجةً بطرقٍ غيرِ جائزةٍ، تختلفُ مسؤوليةُ مَن يُقرِّرُ أشكالَ الإنتاجِ عن مسؤوليةِ مَن ليسَ له أيةُ سُلطةٍ في اتخاذِ القرارات.
في سياقِ تحرُّكِ الضمائرِ الطارئ في سبيلِ الدفاعِ عن الحياة، يجبُ تذكيرُ الجهازِ الصحيّ بأنَّه حالياً «تتعاظم مسؤوليتهم التي لا بدّ من أن تستمدَّ معناها الأعمق ودعمها الأقوى من تلك المبادئ الأخلاقية التي يرتكز عليها العمل في مجالِ الصحة، وهي مبادئ ملتصقة بتلك الوظائف التصاقاً جوهرياً، ولا يمكن التهاون فيها، كما يُقرُّ بذلك قَسَم أبقراط الذي لا يزال حديثاً رغم قِدَمِه والذي يُلزم كل طبيب أن يتعهَّد احترام الحياة البشرية وقُدسِيّتها احتراماً مطلقاً». (58)
خاتمة
36- لقد اتُّهِمَ مراراً تعليمُ الكنيسةِ الأخلاقيُّ بأنه يحوي الكثيرَ من المحظورات. إلا أنه في الواقع يقومُ على الاعترافِ بجميعِ الهباتِ التي منحها الخالقُ للإنسانِ ودعمِها، كهبةِ الحياةش والمعرفةِ والحرية والمحبة. لذلك فإننا نقدِّرُ نشاطاتِ الإنسانِ المعرفيةِ وحسب، بل أيضاً تلكَ العمليَّةَ منها، كالعملِ والنشاطِ التقني. بهذه الأخيرةِ دُعيَ الإنسانُ لمُشاركةِ الله بقدرته الخلاّقة، بهدفِ إعادةِ تشكيلِ الخليقةِ وترتيبِ مصادرها العديدةِ لخيرِ وازدهارِ كرامةِ البشرِ أجمعين، لا بل لأجلِ كلِّ إنسانٍ على حِدة، وليكونَ أيضاً حارسَ قيمتِها وجمالها الجوهري.
لكنَّ تاريخَ البشرِ يشهدُ كيف أن الإنسانَ قد أساءَ ولا يزالُ يسيءُ استعمالَ القدراتِ والإمكانياتِ التي أوكلها اللهُ إليه، مُسبباً بذلكَ أشكالاً عديدةً من التمييزِ الظالمِ والطغيانِ على الضعفاءِ ومن لا يملكونَ قدرةَ الدفاعِ عن أنفسهم. إنَّ التعدّياتِ اليوميةَ على الحياة البشرية ووجودَ مساحاتٍ كبيرةٍ من الفقرِ حيثُ يموتُ الناسُ من الجوعِ والأمراضِ بسبب إقصاءِ مصادرِ المعرفةِ والنشاطِ التي تمتلئُ بها بلداناً كثيرة، والتطورَ التقنيَّ والصناعيَّ الذي ما يزالُ يسببُ خطرَ انهيار النظامِ البيئي، واستعمالَ الأبحاثِ العلميةِ في مجالِ الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا لأهدافٍ حربيةٍ، والحروبَ العديدةَ التي ما تزالُ تُقسِّمُ شعوباً وثقافاتٍ عديدةً، هي وللأسف بعضُ العلاماتِ الواضحةِ التي تدلُّ على قدرةِ الإنسانِ على إساءة استخدامِ إمكانياتهِ، فيُصبحُ العدوَّ الأشرسَ لذاتِهِ، ولا يعودُ يعي دعوتَهُ الخاصة والسامية، أي أن يكونَ مُشاركاً في عمل الله الخلاّق. من جهةٍ أخرى يُظهرُ تاريخُ البشرِ تطوراً حقيقياً في فهمِ قيمةِ كلِّ شخصٍ وكرامته والإعتراف بهما، كأساسِ الحقوقِ والواجباتِ الأخلاقيةِ التي كانت وما زالت أساسَ المجتمعِ البشري. لذلك وباسم دعمِ الكرامةِ البشريةِ يُحظَّرُ أيُّ تصرفٍ وأيُّ نمطُ حياةٍ يُسيء لها. هكذا، على سبيل المثال، نشأت المحظوراتُ القانونيةُ/السياسيةُ عدا عن الأخلاقيةِ منها، والتي تمنعُ أشكالَ التمييزِ العنصري العديدةِ والعبوديةِ والتمييزِ الظالمِ للمرأةِ وإقصائِها وللأطفالِ والمرضى والمُعاقين. تُعتَبَرُ هذه المحظوراتُ شهادةً واضحةً تعترفُ بالقيمةِ الجوهرية لكرامةِ كلِّ إنسانٍ، كرامةٍ لا يمكنُ التنازلَ عنها، وهي أيضاً علامةُ ارتقاءٍ أصيلٍ في تاريخِ البشرية. بكلماتٍ أخرى، تقومُ شرعيةُ كلِّ حظرٍ على ضرورة حمايةِ الخير الأخلاقيّ الأصيل.
37- إذا كان نموُّ الصناعةِ وانتاجُ سلعِ الإستهلاكِ هو ما ميَّزَ في البدايةِ التطورَ الإنسانيَّ والإجتماعيّ، نَجِدُ أنَّ ما يُميّزه الآن هو النموُّ المعلوماتيُّ والأبحاثُ في مجالِ الوراثةِ والطبِّ والبيوتقنياتِ المُطبّقةِ على الإنسانِ أيضاً. إنها لَمجالاتٌ شديدةُ الأهميةِ لمستقبلِ البشريةِ، مجالاتٌ لا تخلو مِن تجاوزاتٍ واضحةٍ وغيرِ مقبولة. «كما كانت، قبل قرنٍ من الزمن، الطبقةُ العاملةُ مظلومةً في حقوقِها الأساسيةِ، فدافَعت عنها الكنيسةُ بشجاعةٍ كبرى، مُعلنةً الحقوقَ المقدسةَ للعمّالِ، هكذا الآن، وإذ هناكَ طبقةُ أخرى من الأشخاصِ، قد سُلِبَ حقُّها الأساسيُّ في الحياة، تَشعُرُ الكنيسةُ بواجبِها في أن تكونَ، بشجاعةٍ ثابتةٍ، صوتَ من لا صوتَ لهم. فصرخَتُها هي دائماً صرخةُ الدفاعِ عن فقراءِ العالمِ، وعن المهدَّدينَ والمنبوذينَ والمظلومينَ في حقوقِهم الإنسانية». (59)
لقد شَعَرَ مجمعُ عقيدةِ الإيمان، بدافعٍ من رسالةِ الكنيسةِ التعليميةِ والرعويةِ، بواجبِهِ في إعادةِ التأكيدِ على كرامةِ كلِّ إنسانٍ فردٍ، حتى في مراحِلِ وجودِهِ الأولى، وعلى حقوقِهِ الأساسيةِ وغير القابلةِ للإنتهاكِ، وفي الإعرابِ عن ضرورةِ تحقيقِ الحمايةِ والاحترامِ اللتَينِ يتطلّبَهُما من الجميعِ الإعترافُ بتلكَ الكرامة.
وإنَّ تحقيقَ هذا الواجب يتطلَّبُ الشجاعةَ للإعتراضِ على جميعِ الممارساتِ التي تحوي تمييزاً جسيماً وظالماً تجاهَ الكائناتِ البشريةِ التي لَم تَلِدْ بعد، والتي تتمتعُ بكرامةِ الشخصِ البشريّ، إذ أنّها مخلوقةٌ هي أيضاً على صورةِ الله. فوراءَ كلِّ «لا» يَسطعُ، عبرَ جهدِ التمييزِ بينَ الخيرِ والشر، «نَعَمٌ» عظيمٌ للإعترافِ بكرامةِ كلِّ إنسانٍ مدعوٍّ بفرادتِهِ إلى الوجودِ، وبقيمتهِ غير القابلةِ للإنتهاك.
على المؤمنينَ أن يَلتزموا ويجتهدوا في دعمِ ثقافةِ حياةٍ جديدةٍ، وذلك بقبولِهِم مُحتوى هذا التعليمِ وبموافقتِهِم بروحٍ تقيةٍ، عارفينَ أنَّ اللهَ يمنحُ دائماً النعمةَ الضروريةَ لحفظِ وصاياهُ وأنه في كلِّ إنسانٍ، وخاصةً في الأكثرِ صغراً، نلتقي بالمسيحِ نفسِهِ (رج. مت 25: 40). بالإضافةِ لذلك، سيعرِفُ جميعُ ذوي الإرادةِ الصالحةِ، وخاصةً الأطباءُ منهم والباحثينَ المنفتحينَ على الحوارِ والراغبينَ في الوصولِ للحقيقةِ، كيفَ يتفهّموا هذه المبادئ والتقييمات ويوافقوا عليها، هادفينَ لحمايةِ الكائنِ البشريِّ الضعيفِ في مراحلِ حياتِهِ الأولى، ولدعمِ حضارةٍ أكثرَ إنسانية.
لقد وافق الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر، في تعليمه الذي كرزَ به يوم 20 حزيران 2008، لرئيس المجمع الموقِّعِ أَدناهُ، على هذا التعليم، الذي قُرِّرَ في الجلسةِ العاديةِ لهذا المجمع، وقد أمرَ بنشره.
روما، من مقر مجمع عقيدة الإيمان، في 8 أيلول 2008، في عيد ميلاد الطوباوية مريم البتول.
رئيس المجمع: ويليام لاڤادا
سكرتير المجمع: لويس ف. لاداريا
الحواشي
1- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة" عن احترام الحياة البشرية قبل الولادة وكرامة الإنجاب (22 شباط 1987): أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 70 – 102.
2- يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة "تألق الحقيقة"، عن بعض المسائل الأساسية في تعليم الكنيسة الأخلاقي (6 آب 1993): أعمال الكرسي الرسولي 85 (1993)، 1133 – 1228.
3- يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة "إنجيل الحياة" عن قيمة الحياة غير القابلة للإنتهاك (25 آذار 1995): أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 401 – 522.
4- يوحنا بولس الثاني، حديث للمشاركين في الإجتماع السابع للأكاديمية الحبرية لأجل الحياة (3 آذار 2001)، عدد 3: أعمال الكرسي الرسولي 93 (2001)، 446.
5- يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة "الإيمان والعقل" عن العلاقة بين الإيمان والعقل (14 أيلول 1998)، عدد 1: أعمال الكرسي الرسولي 91 (1999)، 5.
6- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، أولاً، 1: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 79.
7- كما ذكَّرَ بندكتس السادس عشر، أنَّ الحقوق الإنسانية وخصوصاً حق كل إنسان في الحياة، هي «مؤسسة على الشريعة الطبيعية المكتوبة في قلب الإنسان والحاضرة في مختلف الثقافات والحضارات. فإزاحة الحقوق الإنسانية من هذا السياق يعني تضييق مجالها والتسليم بنظرة نسبوية، تعتقد بإمكانية تغيير معنى وتأويل الحقوق، وتنفي شموليتها باسمِ تنوع المحيط الثقافي والسياسي والإجتماعي وحتى الدينيّ. يجب ألا نسمح لوجهات النظر الشديدة التنوع هذه أن تخفي الحقيقةَ القائلةَ بأنه ليست الحقوق وحدها هي الثابتة بل أيضاً الشخص البشري المتمتّع بهذه الحقوق» (حديث للإجتماع العام للأمم المتحدة، 18 نيسان 2008: أعمال الكرسي الرسولي 100 [2008]، 334).
8- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، أولاً، 1: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 78 – 79.
9- نفس المرجع، ثانياً، أ، 1: 87.
10- بولس السادس، رسالة عامة "الحياة البشرية" (25 تموز 1968)، عدد 8: أعمال الكرسي الرسولي 60 (1968)، 485 – 486.
11- بندكتس السادس عشر، حديث للمشاركين في المؤتمر الدولي الذي نظّمته الجامعة الحبرية اللاتيرانية، في الذكرى الأربعين للرسالة العامة "الحياة البشرية" (10 أيار 2008): جريدة أوسيرڤاتوريه رومانو، 11 أيار 2008، الصفحة الأولى؛ راجع يوحنا الثالث والعشرين، الرسالة العامة "الأم والمعلّمة" (15 أيار 1961)، ثالثاً: أعمال الكرسي الرسولي 53 (1961)، 447.
12- المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي "فرح ورجاء" عدد 22.
13- راجع يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 37 – 38: أعمال الكرسي الرسولي (1995)، 442 – 444.
14- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "تألق الحقيقة"، عدد 45: أعمال الكرسي الرسولي 85 (1993)، 1169.
15- بندكتس السادس عشر، حديث للمشاركين في الإجتماع العام للأكاديمية الحبرية لأجل الحياة وللمؤتمر الدولي «الجنين البشري في مرحلة ما قبل التعشيش» (27 شباط 2006): أعمال الكرسي الرسولي 98 (2006)، 264.
16- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، مقدمة، 3: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 75.
17- يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي "الحياة العائلية" عن واجبات العائلة المسيحية في عالم اليوم (22 تشرين الثاني 1981)، عدد 19: أعمال الكرسي الرسولي 74 (1982)، 101 – 102.
18- راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، إعلان "كرامة الإنسان"، عدد 14.
19- راجع مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، ثانياً، أ، 1: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 87.
20- نفس المرجع، ثانياً، ب، 4: أعمال الكرسي الرسولي 92.
21- نفس المرجع، المقدمة، 3: أعمال الكرسي الرسولي 75.
22- "الإخصاب الإصطناعي غير المتجانس" هو «مجموعة التقنيات التي تهدف للحصول على اخصاب بشري اصطناعي ناتج عن خلايا تناسلية مأخوذة من مانح (واحد على الأقل) مختلف عن الزوجين المتحدين برباط الزواج» (نفس المرجع، ثانياً: أعمال الكرسي الرسولي 86).
23- "الإخصاب الإصطناعي المتجانس" هو «التقنية التي تهدف للحصول على اخصاب بشري ناتج عن خلايا تناسلية مأخوذة من الزوجين المتحدين برباط الزواج». (نفس المرجع السابق).
24- نفس المرجع السابق، ثانياً، ب، 7: أعمال الكرسي الرسولي 96؛ راجع بيوس الثاني عشر، حديث للمشاركين في المؤتمر الدولي الرابع للأطباء الكاثوليكيين (29 أيلول 1949): أعمال الكرسي الرسولي 41 (1949)، 560.
25- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، ثانياً، ب، 6: أعمال الكرسي الرسولي، 94.
26- راجع نفس المرجع، ثانياً: أعمال الكرسي الرسولي: 86.
27- حالياً، في أغلب مراكز الإخصاب الإصطناعي، يتراوح عدد الأجنة التي تموت أكثر من 80 %.
28- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "انجيل الحياة"، عدد 14: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 416.
29- راجع بيوس الثاني عشر، حديث للمشاركين في المؤتمر العالمي الثاني لنابولي، عن الخصوبة والعقم الإنسانيين (19 أيار 1956): أعمال الكرسي الرسولي 48 (1965)، 470؛ بولس السادس، الرسالة العامة "حياة الإنسان"، عدد 12: أعمال الكرسي الرسولي 60 (1968)، 488 – 489؛ مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، ثانياً، ب، 4 – 5: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 90 – 94.
30- يزدادُ عدد الأشخاص غير المتحدين برباط الزواج الذين يلجؤون إلى تقنية الإخصاب الإصطناعي للحصول على طفل. إنَّ هذه الممارسات تُضعفُ المؤسسة الزوجية وتولّد أطفالاً في بيئات غير ملائمة لنموهم الإنساني الكامل.
31- بندكتس السادس عشر، حديث للمشاركين في الإجتماع العام للأكاديمية الحبرية لأجل الحياة وللمؤتمر الدولي «الجنين البشري في مرحلة ما قبل التعشيش» (27 شباط 2006): أعمال الكرسي الرسولي 98 (2006)، 264.
32- الإخصاب المجهري (Intra Cytoplasmic Sperm Injection) بالرغم من تشابهه مع جميع أشكال الإخصاب في المختبر، يختلف عنها لأن الإخصاب لا يحدث بشكلٍ عفوي بل يتم بواسطة حقن هيولى خلية البويضة بحيوان منوي واحد مُختار مُسبقاً، أو بواسطة حقن عناصر غير ناضجة من الخلية الذكرية.
33- هناك جدل قائم بين الأخصائيين عن المخاطر التي يمكن أن يُشكلها الإخصاب المجهري على صحة الطفل.
34- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، ثانياً، ب، 5: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 93.
35- تُجمَّد الأجنة تحت درجات حرارة شديدة الإنخفاض بهدف الحفاظ عليها لمدة طويلة.
36- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، أولاً، 6: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 84 – 85.
37- راجع الأعداد 34 – 35 من هذا التعليم.
38- راجع مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، ثانياً، أ، 1 – 3: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 87 – 89.
39- يوحنا بولس الثاني، حديث للمشاركين في الندوة حول «أنجيل الحياة والحقوق» وفي التجمُّع الدولي الحادي عشر الروماني القانوني (24 أيار 1996)، عدد 6: أعمال الكرسي الرسولي 88 (1996)، 943 – 944.
40- لقد اقتُرحَت عملية تجميد البويضات في سياق ممارسات أخرى غير مذكورة هنا. يُقصَد بالبويضة هنا الخلية التناسلية المؤنثة غير المُلقحة بالحيوان المنوي.
41- راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي "فرح ورجاء"، عدد 51؛ يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 62: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 472.
42- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 62: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 473.
43- من أشهر عوائق الحمل اللولب أو ما يدعى بـ IUD (IntraUterine Device) وما يدعى «كبسولة اليوم التالي».
44- إنَّ وسائل إعاقة الحمل الأساسية هي كبسولة (RU 486 - Mifepristone) و (synthetic prostaglandins) و(Methotrexate).
45- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 58: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 467.
46- راجع، الحق القانوني، القانون 1398 والحق القانوني الشرقي، قانون 1450 § 2؛ راجع أيضاً الحق القانوني، قانون 1323 – 1324. لقد صرَّح المجلس الحبري للتأويل الأصيل للحق القانوني بأن المفهوم الجزائي للإجهاض يقوم في حال «قتل الجنين بأية وسيلة وفي أي وقت منذ لحظة الحبل به» (أجوبة عن بعض الشكوك، 23 أيار 1988 أعمال الكرسي الرسولي 80 [1988]، 1818).
47- حسب المعارف الحالية، توجد هناك تقنيتان للإستنساخ البشري: التوأمة الجنينية الصنعيّة ونقل نواة الخلية. تقوم التوأمة الجنينية الصنعيّة على قَسْمِ خلايا وحيدة أو مجموعة من الخلايا الجنينية فنيّاً، في مراحل تكوّن الجنين الأولى، ومن ثم نقل النواتج إلى الرحم بهدف الحصول فنيّاً على أجنّة متطابقة. أما نقل نواة الخلية أو ما تعني كلمة الإستنساخ بحد ذاتها، فيقوم على إدخال نواة – مأخوذة من خلية جنينية أو جسمية – في بويضة قد سبق ونُزِعت نواتها، ومن ثم تفعيل هذه البويضة التي بتطورها تصبح جنيناً.
48- راجع مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، أولاً، 6: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 84؛ يوحنا بولس الثاني، حديث لأعضاء المجلس الدبلوماسي المُعتمَد لدى الكرسي الرسولي (10 كانون الثاني 2005)، عدد 5: أعمال الكرسي الرسولي 97 (2005)، 153.
49- من هذه التقنيات الجديدة، على سبيل المثال، التناسل العذري (بدون إلقاح) المُطبَّق على الإنسان، والنقل النووي المُتغاير (Altered Nuclear Transfer: ANT) وإعادة برمجة البويضة (Oocyte Assisted Reprogrammign: OAR).
50- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 60: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 469.
51- بندكتس السادس عشر، حديث للمشاركين في المؤتمر الدولي عن موضوع: «مستقبل الخلايا الجذعية في العلاج»، الذي نظّمته الأكاديمية الحبرية لأجل الحياة (16 أيلول 2006): أعمال الكرسي الرسولي 98 (2006)، 694.
52- راجع الأعداد 34 – 35 من هذا التعليم.
53- راجع بندكتس السادس عشر، حديث للمشاركين في المؤتمر الدولي عن موضوع: «مستقبل الخلايا الجذعية في العلاج»، الذي نظّمته الأكاديمية الحبرية لأجل الحياة (16 أيلول 2006): أعمال الكرسي الرسولي 98 (2006)، 693 - 695.
54- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 63: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 472 – 473.
55- راجع نفس المرجع عدد 62: أعمال الكرسي الرسولي، 472.
56- مجمع عقيدة الإيمان، تعليم "هبة الحياة"، أولاً، 4: أعمال الكرسي الرسولي 80 (1988)، 83.
57- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 73: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 486: «الإجهاض والقتل الرحيم هما إذن من الجرائم التي لا يجوز لأي قانون بشري أن يدَّعي تشريعها. مثل هذه القوانين لا تُلزِم الضمير، لا بل تحمّل المواطنين واجب التصدي لها، بالاعتراض الضميري، وهو واجب خطير ودقيق». لذا على القوانين المدنية أن تعترف بحق الإعتراض الضميريّ، الذي هو بمثابة تعبير عن حق حرية الضمير.
58- يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "إنجيل الحياة"، عدد 89: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، 502.
59- يوحنا بولس الثاني، رسالة لجميع الأساقفة عن "إنجيل الحياة" (19 أيار 1991): أعمال الكرسي الرسولي 84 (1992)، 319.
مار شربل للحياة
Saint
Charbel for Life Movement
Back to Home page
E-mail us:
info@lilhayat.com